على سياسة اتصالية يمكن اختزالها في انها «دعائية» تكتفي بنشر الانشطة واللقاءات التي عقدتها.
سياسة اتصالية تعكس ان الحكومة كما الرئاسة، يعتبران انهما في أنهما لا يحتاجان الى نشر المعلومات او توفير المعطيات الاساسية للجمهور لمناقشتها قبل اتخاذ قرار. بل هما تقدمان نشاطيهما وقرارتيهما في شكل بلاغات. وهذا يعكس انهما تنتسبان لمقاربة تعتبر ان الحكم واتخذا القرار حكر على هو من في السلطة.
مقاربة تتضح اكثر حينما تصبح المؤسسات الاجنبية مصادر الخبر والمعطيات، على غرار الرئاسة المصرية التي نشرت مضمون لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي برئيسة الحكومة نجلاء بودن فيما صمتت الاخيرة قبل ان تتدارك بنشر بلاغ بعد مرور ساعات. واكتفت بنشر صورها مع من التقتهم على هامش اشغال المؤتمر.
صمت يعكس سياسة اتصالية تقوم على اعتبار ان « الحكم « وما يتعلق به شأن خاص لمن يمسك بالسلطة. وان القرار يتخذ دون حاجة لان يسبقه نقاش مجتمعي او حاجة لتوفير المعطيات الضرورية للجمهور ليكون جزء من عملية اتخاذ القرار او حتى فهمها.
الأمثلة بالعشرات إذا ما تعلق الامر برئيسة الحكومة، التي بحثت في مؤتمر باريس عن تفادي ما وقع في زيارتها للسعودية، فعكست بوعي او دونه سياسة الرئيس الاتصالية التي تقوم على معاداة صريحة لـ»الاعلام» الذي يعتبر الرئيس وفق تصريحات سابقة ان تزوير الانتخابات يقوم على «تزوير عقول الناخبين عن طريق الإعلام».
هذا الفهم لدور الاعلام ووظيفة يبرر من وجهة نظر الرئاسة خياراتها الاتصالية القائمة على اعتبار انها في «اتصال مباشر مع الشعب» دون حاجة لوسائط، ولكن الحقيقة ان الرئاسة ومن خلفها رئاسة الحكومة تعتمدان مقاربة اتصالية تبحث عن تجنب المسالة وتحقق لهما «الدعاية السياسية» عبر اتصال الشخص الواحد القائم بالاساس على خطابات أحادية او على نشر صور وبلاغات جافة لا تحمل الا ما تريده السلطة من معلومات.
هذه المقاربة تسقط بشكل صريح ومباشر ابسط قواعد الاتصال الحكومي وليس السياسي، فوفق ما جاء في الموسوعة الدولية للاتصال السياسي الصادرة سنة 2016 يقوم الاتصال «الحكومي» في مفهومه العام على مجمل الاتصالات الموجهة إلى الجماهير الرئيسة في السعي لتحقيق كل من الأغراض السياسية والمدنية، ...و الحكومة تتواصل مع الجمهور وتأخذ في الاعتبار مواقف المواطنين، اي انالاتصال ليس فقط لاخبار الناس بما قرر الحاكم بل لتوفير معطيات ومعلومات ضرورية لتاثيث النقاش العام.
اي ان الرئاسة والحكومة باعتمادهما على سياسة اتصالية اقل ما توصف به انها متكلسة تنسف مبدأ نقل المعلومات وتبادلها، مما يقتضي عرض وشرح القرارات والإجراءات في اطار الشفافية.
كل هذا ينسف ليحل محله نوع جاف من الاتصال يقف عند «المستوى صفر» اي تقديم سردية السلطة دون اي مجال للدقيق فيها او مساءلتها، والامثلة عن ذلك بالمئات، فجل المعطيات التي تقدم اليوم لتشرح المشهد السياسي او توجهات البلاد تصدر عن مؤسسات تحتكر المعطيات وترفض تقديمها للرأي العام.
معلومات تتعلق بقانون مالية 2021 التكليمي ومسدودة مشروع قانون مالية 2022، بالاضافة الى اعتمادها سياسية الامر الواقع بجعل كل القرارات والاجراءات المتعلقة بحياة الناس وحرياتهم تصدر بشكل احادي دون توفير حيز زمني لفتح نقاش عام ومن ذلك قرار الجواز الصحي الذي اعلن عنه غداة نشره في الرائد الرسمي دون توفير حيز للنقاش او لتعديل مضمونه.
هذه المقاربة الاتصالية إذ وضعت جنبا لجنب مع السياسيات العمومية المتبعة ومع تحركات الرئيس تكشف بشكل صريح اننا امام سلطة تنفيذية تحتكر «الفضاء العام» وتمنع اي نقاش مجتمعي جدي بشأن قضايا الحقيقة، او الخيارات الكبرى التي تحدد مصير الجميع والاجيال القادمة.
ان ابسط حقوق المواطنة ان تتوفر معلومات عن السياسيات العامة للبلاد وعن التوجهات الكبرى لها، وان يكون هدف توفير هذه المعطيات تاثيث النقاش العام وفتح باب المشاركة امام اوسع شرائح ممكنة من الشعب للمساهمة في صياغات السياسيات التي ستؤثر على حياته اليوم وغدا.
لكن هذا الحق يصادر ليصبح «الحاكم» هو الوحيد المخوّل له تقرير مصير البلاد والعباد واي معطيات توفر للتونسيين، ان هذه المقاربة تثير مخاوف باننا لدى السلطات «ارعايا لا مواطنين».
استراتيجيات اتصال السلطة التنفيذية : صمت يعود بنا إلى مربع «الرعايا»
- بقلم حسان العيادي
- 09:33 19/11/2021
- 988 عدد المشاهدات
خلال زيارتها الى فرنسا للمشاركة في اشغال المؤتمر الدولي حول ليبيا المقام في فرنسا، اعتمدت رئيسة الحكومة نجلاء بودن