بعد أن اجتمعت السلطة بيد الرئيس: شعار «الشعب يريد» يسقط أمام «الحكم»

كشف رئيس الجمهورية انه ومنذ الخميس الفارط ، تاريخ انعقاد المجلس الوزاري. قد اصطدم بتناقضات «شعاراته» السياسية مع واقع الحكم والسلطة

والتي احتدمت خلال الساعات الـ48 الفارطة لتكشف عن ان سعيد وفريقه أمسكوا بالحكم دون قدرة على تقديم حلول تخرج البلاد من ازماتها. فقد رحلوا مسؤولية تقديم الحلول الى حين استكمال «البناء الجديد».
تناقضات تكشف حدّتها الصور التي تنقل المواجهة بين المحتجين من ابناء معتمدية عقارب بولاية صفاقس وقوات الامن التي انسحبت وتركت مكانها لوحدات عسكرية لتامين فتح مصب القنة لتجاوز ازمة تراكم النفايات بصفاقس التي امتدت لـ40 يوما.
اعادة فتح المصب كان بقرار الرئيس الذي حرص على ان يستعمل مصطلح «حملة تفسيرية» عوضا عن حملة انتخابية في الاستحقاق الرئاسي لسنة 2019 بهدف التشديد على انه يتبنى مشروعا سياسيا يمنح الشعب سلطة القرار والمشاركة في اتخاذه واستمر طوال عهدته قبل 25 جويلية بالتشديد على انه «في منصبه « ليمنح الشعب السلطة.
وجد الرئيس نفسه في مواجهة « خطابه » بعد ان امسك بكل مقاليد الحكم، وفق مضمون الامر الرئاسي عدد 117 الصادر في 22 سبتمبر 2021، يجمع بين السلطة التنفيذية والتشريعية بصلاحيات واسعة دون جهة ذات سلطة الرقابة او المساءلة. وهذا باسم الارادة الشعبية ليصطدم سعيد بقيس. فنجد خطابا «سعيد» يتحدث عن العودة لمطالب الثورة وتكثيفا للاستعارات اللغوية المنتصرة للشعب ولحقه الذي سلب من قبل «المنظومة» ولإعلان الحرب عليها بهدف اسقاطها والعودة الى لحظة الانفجار الثوري للانطلاق في البناء الجديد. في المقابل نجد نزوعا من الرئيس «قيس» الى ترسيخ الحكم المركزي الذي لا يسمح لأحد بالمشاركة حتى ولو بإبداء الرأي فقط.
هذا رغم ان رئيس الجمهورية قدم محاولته لإعادة بناء منظومة الحكم وإسقاط «منظومة الهيمنة» على اعتبار أنها مطلب شعبي وتجسيد لإرادة جماعية ترغب في تصحيح المسار والعودة الى الثورة التي وقع «الغدر» بها في 14 جانفي2011 من قبل النخبة التي تمثلها الاحزاب والمنظمات والشخصيات الاعتبارية. وتسويق ذلك على انه «مؤامرة المركز على الجهات».
تناقض خطاب الرئيس مع ممارساته السياسية برز بشدة مع انطلاق «تجربة الحكم» فالرئيس الذي ظل وفيا لخطاب الشعب يريد ويعرف ماذا يريد، اسقط مقولته في لقائه يوم الاثنين الفارط مع رئيسة الحكومة ووزير الداخلية الذي اعلن فيه عن «حل» الازمة البيئية في صفاقس، وهو اعادة فتح مصب القنة بقرار مركزي رغم رفض اهالي الجهة.
رفض جابهته الدولة بالمقاربة الامنية وبالحديث عن المؤامرات التي تهدف إلى تعطيل عملية البناء القاعدي. كل هذا في قفز صريح على وقائع الارض التي تبين بأشكال عدة ان الرئاسة وان حملت خطابا يقوم على تخوين النخبة وتقديمها على انها قامت بفرض تصوراتها المركزية على الجهات التي انطلقت منها الثورة، وحرمت تلك الجهات من تقرير كيفية ادارة الشان المحلي. فمارست ما اتهمت به النخبة.
ورغم ان الرئيس جعل من شعار حملته «الشعب يريد» الا انه وباجتماع الحكم بيده ذهب عكس ما يريده الشعب في عقارب. دون ان يفتح النقاش العام في الجهة او ان يقدم تصوراته للخروج من الازمة ويعلن ان الحل الراهن وان لم يكن مثاليا الا انه ضروري وطريق لابد من المرور به لتحقيق الافضل للجميع، كل هذا اسقطه واختار ان يفرض حله المركزي الذي لم يسمح لاية جهة كانت بان تناقشه او تقدم مقترحاتها اليه.
وهذا يسقط على الاقل «طهورية» شعار الشعب يريد او مقولة ان الحل والتدبير يصعدان من الاسفل الى الاعلى اي من المحلي الى المركزي على قاعدة ان الشعب يريد ويعرف ماذا يريد. شعب قال الرئيس انه يحكم باسمه من اجل ان يمكنه من ادوات وآليات الحكم القانونية وهذا ما حضر في خطابه بكثافة منذ توليه الرئاسة الى مضى قريب.
لكن ما حمله الاسبوع الاخير اسقط هذه المقولات وافقدها بريقها، لا فقط في ازمة النفايات ، بل في كل الخيارات والسياسات التي اتبعت واعلن عنها منذ الخميس الفارط. ففي الاجتماع الوزاري لم يكشف الرئيس فقط عن وجود ازمة مالية عمومية حادة بل انه وفريقه الحكومي لا حلول لديهم لهذه الازمة ولا تصورات جاهزة لكيفية الخروج منها، كل ما يقدم هو وعد بالبحث عن حلول غير تقليدية مقابل الاستمرار في سياسات الاقتراض التي انتقدها الرئيس بشدة، ولكنه اعتمدها دون ان يسمح بنقاش يبرر ضرورة انتهاج هذا الخيار.
اضف الى هذا طلب استئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وفتح قنوات الاتصال معه دون عرض خطة اصلاح على الراي العام لنقاشها او تقديم مقترحات او كشف ما ستقدمه الدولة التونسية من تعهدات بهدف الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتجاوز ازمة تعثر عملية تعبئة المواد المالية.
والاشكال هنا ليس في الازمات التي ورثها سعيد عن سابقيه. بل في السياسات التي ينتهجها الرئيس وتتناقض مع خطابه. فهو الذي يرفع خطاب العودة للشعب وكسر احتكار الحاكم والنخب للقرار وإدارة الشأن العام وفتح مجال المشاركة في النقاش. كشف انه وفي مواجهته لمشاكل الحكم وتدابيره لا فقط انه لا يحمل تصورات وحلول للحكم وكيفية ادارته بقدر امتلاكه لخطاب نقدي بل في تعمده «غلق كل الفضاءات ومنع النقاش» اي انه لا يستمع الى اي طرف كان، من النخبة او من الشعب.
هذا يثير الخشية من ان الرئيس وفي ظل غياب حلول لازمات البلاد قد يتجه الى اقصى نوازع الحكم الفردي المركزي الذي لا تفتح فيه نقاشات عامة ولا مشاورات، بل اللجوء الى القرارات المركزية وتنزيلها بالاعتماد على «قوة الدولة» لفرضها على الشعب الذي انتصر له سعيد وتنكر له قيس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115