بوزارة الداخلية. وبهذا يغلق بشكل صريح ومباشر قوس السلطة المحلية اي البلديات ويمهد الطريق امام تصوره السياسي والتنظيمي.
امر رئاسي وقع الاعلان عنه في بلاغ نشرته الرئاسة يوم الخميس وفيه اشارة الى ان المجلس الوزاري الذي انعقد برئاسة قيس سعيد قد صادق على جملة من مشاريع المراسيم والاوامر ومنها الامر الذي بموجبه يقع الحاق هياكل وزارة الشؤون المحلية بوزارة الداخلية.
امر جاء ليكون اقفالا لتحركات قام بها الرئيس منذ 25 جويلية 2021، تاريخ تفعليه للفصل 80 من الدستور وتعزز اكثر مع صدور الامر الرئاسي عدد 117 في 22 سبتمبر الفارط، الذي بموجبه علقت كل ابواب الدستور باستثناء التوطئة والبابين الاول والثاني.
هتان الخطوتان انهى بهما الرئيس بتتابع «الاطار القانوني والدستوري» للسلطة المحلية اي للبلديات ومجالسها، فهو وبتعليقه للعمل بالباب السابع من الدستور علق بشكل غير مباشر سلطة المجالس البلدية وصلاحياتها، قبل ان يعلن بشكل صريح عبر هيكلة حكومة بودن عن موقفه من البلديات وهو موقف رافض لها ليس فقط لهيمنة خصومه السياسيين على المجالس البلدية، النهضة وغيرها، بل لاعتباره ان هذه المجالس تشتت سلطة الدولة التي جمعها في 25 جويلية بيده، وما باقى التحركات الا للتدرج في انهاء تجربة الحكم المحلي كما صيغت في دستور 2014.
حكم محلي ينتقده الرئيس بشدة ويعتبره من ابواب الفساد السياسي وتوزيع المغانم، ولكن الدافع الفعلي لرفض الرئيس للسلطة المحلية الراهنة هو انها تتناقض مع جوهر «النظام السياسي» الذي يتبناه، وهي الديمقراطية القاعدية وعملية الاختيار من القاعدة الى القمة.
ديمقراطية بموجبها تختار كل محلية ممثليها ثم كل جهة وصولا الى الوطني باختيار ممثلين عن الجهات عبر القرعة حتى يكونوا اعضاء في المجلس التشريعي القادم، مجلس لا صلاحيات له الا سن القوانين التي تصعّد من الاسفل دون قدرة او صلاحية رقابية على السلطة التنفيذية التي ستكون مجمعة بيد رئيس الجمهورية.
هذا التصور يستوجب انهاء الشكل التقليدي من الديمقراطية المحلية التي سنها دستور 2014 وتتمثل في مجالس بلديات، فالمجالس الجهوية فالإقليمية . و منحها صلاحيات تسحب من المركز لفائدتها. اي انها شكل تنظيمي يسمح للاحزاب بالتنفذ اكثر باعتبارها الاقدر على خوض الانتخابات المحلية والجهوية، وهو ما يتعارض مع مقاربة الرئيس التي تعتبر ان كل اشكال التنظم العمودية السابقة انتهت وان التاريخ بات في مرحلة التنظم الافقي.
تصور وقع التعبير عنه كثير في كلمات الرئيس منذ حملته الانتخابية. ولكنه وبعد تحقق اجتماع السلطة بيده انتقل الى واقع سياسي تتدرج اليه البلاد، ففك الارتباط بين وزارة البئية والشؤون المحلية كان خطوة اولى للعودة الى ما قبل الانتخابات البلدية ولاحقا جعل البلديات تحت وزارة الداخلية وذلك ليس إلا اعلانا صريحا عن ان الرئيس لا ينظر اليها كسلطة قائمة بذاتها.
إعادة دمج البلديات بوزارة الداخلية خطوة قد تعقبها خطوات قادمة تتعلق بالمجالس البلدية وبإخضاعها للسلطة التنفيذية في انتظار استكمال الحوار الشعبي الذي يتمسك الرئيس بانه سيكون غير تقليدي لرسم ملامح البلاد ونظامها السياسي القادم.
نظام سياسي لا ينتظر الرئيس كثيرا ليكشف عن هيكلته، فالامر الرئاسي عدد 117 كشف عن خطوط عامة لشكل هذا النظام وكلمات الرئيس اللاحقة وتحركاته كشفت عن البقية، فهو يريده نظاما تكون فيه للرئيس اليد العليا في الدولة، مع مجلس تشريعي مفرغ من سلطته الرقابية وتحديد وهمته مهمه في المصادقة على القوانين فقط، مع انهاء لاي تشتت للسلطة التنفيذية وما المجالس المحلية الا اجهزة ادارية مع مهام وصلاحيات ضيقة لا تتجاوز التسيير وتجميع المقترحات النابعة من «الشعب».
تصور قد يتضح في الاسابيع القادمة ومعه يتضح مشروع الرئيس بشكل جلي، ولكن وفي انتظار اتضاحه يكشف عن عناصر اساسية، وهي ان كل اشكال البنى والهياكل العمودية الوسيطة والتمثيلية لا وجود لها في التصورات المستقبلية للرئيس.