والمنظمة بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية الصادر بأمر رئاسي يوم 22 سبتمبر مع حكومة انبثقت عنها يوم 11 أكتوبر الجاري ..
كل هذا أضحى اليوم أمرا واقعا بغض النظر عن التقييم الدستوري والسياسي وعن مدى المقبولية (المطلقة أو النسبية) والرفض للتدابير الاستثنائية ولمخرجاتها العملية .. ولكن ما لا يُفهم إلى حدّ اليوم هو لِمَ يرفض رئيس الجمهورية توضيح الخطوات القادمة بدءا بالمدة الزمنية لهذه التدابير الاستثنائية وحجم التغييرات التي يريد إدخالها على قواعد اللعبة (تنقيح الدستور وتغيير القانون الانتخابي)؟ وهل سيتبع في ذلك صيغة تشاركية فعلية أم سيواصل الانفراد بالرأي وقيادة هذه المرحلة الاستثنائية على نمط حملته الانتخابية المسماة «حملة تفسيرية» ؟
هنالك في تونس رأي عام واسع يريد القطع مع فترة ما قبل 25 جويلية 2021 ولكن باستثناء الأنصار الخلّص لرئيس الدولة لا أحد يريد الدخول في مغامرة «البناء القاعدي» كما أن لا أحد يقبل بتمديد غير معقول لمرحلة التدابير الاستثنائية وأن تصل إلى حدود هذه العهدة الانتخابية أي إلى نهاية سنة 2024 لأن الاستثناء هنا يصبح قاعدة دون تفويض شعبي ودون رقابة مؤسساتية.
التسقيف الزمني والمضموني ليس مهما فقط لكل الشركاء في الوطن وشركاء الوطن كذلك بل وأساسا لحكومة نجلاء بودن لأن مدّتها مرتبطة بها ارتباطا تلازميا ولأن المطلوب من حكومة في ستة أشهر أو في سنة هو من طبيعة مغايرة لما يطلب منها على امتداد ثلاث سنوات مثلا ..
يوجد سؤال أساسي ينبغي أن تجيب عنه رئيسة الحكومة: هل تسمح لها التدابير الاستثنائية بإدخال إصلاحات جوهرية على حوكمة البلاد ؟ هذا من حيث المبدإ أما من حيث الإمكان العملي فهي لن تتمكن من القيام بإصلاحات هيكلية أو حتى مجرد الشروع فيها إلا في حالة واحدة وهي تأبيد الاستثنائي والمؤقت ولا نعتقد أن هنالك مصلحة ما للبلاد أو لهذه الحكومة في العمل على تأبيد المؤقت ..
ولكن هذا لا يعني أن مجال تدخل هذه الحكومة بسيط وتقني وأنها مدعوة لتكون حكومة تصريف أعمال ..أبدا ،فإنقاذ البلاد بدءا بإنقاذ توازناتها المالية وصولا إلى إنعاش الدورة الاقتصادية من أجل الحد من البطالة والفقر،كل هذه المسائل – وغيرها – تستوجب سياسة حازمة وتصورا شاملا لمشاكل البلاد والعمل على إصلاح مختلف الإخلالات الجوهرية في جل منظوماتنا الاقتصادية والاجتماعية منذ الآن وذلك أيا كانت المدة الزمنية لهذه الحكومة.
وهنا تحتاج البلاد وكل الفاعلين الاقتصاديين في الداخل والخارج وكل شركاء الإنتاج إلى الصراحة في التشخيص والوضوح في خطة العمل وفي الأهداف الجزئية التي تريد الحكومة تحقيقها ..
نريد تشخيصا دقيقا لوضعية المالية لعمومية الآن وإعلان الفرضيات والأهداف الأساسية لموازنة السنة المقبلة وكيف ستتصرف في معضلة الدين العمومي وماهي السبل التي ستتبعها لحكومة لإيقاف النزيف .
كما نريد توضيحا بخصوص السياسة الانفاقية للحكومة وهل ستكون توسعية كسابقاتها أم أنها ستكون قادرة على بدء تغيير المعادلة السابقة وهي ألا يتجاوز الإنفاق العمومي نسبة نمو الاقتصاد الوطني ..
كما نريد أن نعرف ماهي حزمة التضحيات التي ستطالب بها حكومة بودن جموع التونسيين لا فقط من حيث حجمها بل وكذلك الأهداف المرقمة المرجوة منها ..
كل ما نريده من السلطة التنفيذية اليوم، في قرطاج وفي القصبة ، توضيح الرؤية والإعلان عن المحطات القادمة والتعامل مع التونسيين كراشدين لا كقصّر يقادون إلى «الجنّة» بالسلاسل ..