وحلّ الأزمات واقتراح السياسات ... سيوضع بعد فترة، أمام مجموعة من الاختبارات وسيساءل عن قراراته/ها واختياراته وخطابه. ولكن هل ستتضح الرؤية بالفعل وهل سيكون بمقدورنا أن نفهم خصوصية المسار القادم ؟
نرجّح أنّ أوّل اختبار ستوضع فيه رئيسة الحكومة هو طريقة تعاملها مع الإعلام. فبعد أشهر من الإلغاز والتلميح والترميز وحجب المعلومة ورفض المقابلات الإعلامية ووضع الحدود المنظّمة لطريقة الظهور، والتعامل وفرض الجدران العازلة بين «الرئيس» ووسائل الإعلام التي لا تنفكّ تطالب بالتحاور مع أعلى سلطة في البلاد هل ستبادر «رئيسة الحكومة» بإجراء حوار تلفزيّ توضّح فيه للتونسيين خطّة عملها وتجيب فيه عن مختلف الأسئلة، بما فيها الأسئلة المحرجة والمستفزّة واللامفكّر فيها؟ وهي إذ تقبل «الظهور الإعلامي اللامشروط» ستتحوّل إلى موضوع للتمحيص والدراسة، وستوفّر للمحللين والمعلقين والخصوم فرصة حتى يقيّموا إمكاناتها وفصاحتها وجرأتها وشجاعتها وخبرتها وقدرتها على المناورة والتنصّل والمراوغة وغيرها.
وبما أنّها أوّل امرأة تتقلّد هذا المنصب ستكون في بؤرة التحديق وستتخذ التعليقات والقراءات والتعقيبات تلوينات خاصة لم نألفها مع رؤساء الحكومات السابقة، فتحلل حركات جسدها وإيقاع صوتها وهندامها وانفعالاتها ومشيتها ...ولأنّ العين الذكورية كليلة فإنّها ستركّز على النقائص والعيوب أكثر من اهتمامها بالمحاسن. ولا عجب في ذلك فدخول النساء السياسة وحصولهن على مواقع القرار لا يمرّ بسلام ولا يقابل بالترحيب حتى وإن استبشر القوم وهللوا فعندما تتغيّر السياسات وتتعطّل المصالح ويُحدّ من الامتيازات توجّه السهام إلى المسؤولة الأولى عن تسيير الحكومة إذ تبقى في النهاية «امرأة» بدون خبرة سياسية وستقارن بإدارة الرجال للأزمات.
أمّا الاختبار الثاني فيكمن في قدرة رئيسة الحكومة من عدمها، على احترام مبدإ التشاركية والانفتاح على مختلف الفاعلين والإصغاء إلى من يمثلون قوّة اقتراح ولهم/ن قدرة على صياغة البدائل رغبة في تغيير واقع البلاد والخروج بها من الأزمات. ومعنى هذا مواصلتها للنهج التفاعلي السابق ومحافظتها على سنّة الحوار مع مختلف مكونات المجتمع المدني بما فيها الأحزاب والهيئات وغيرها أو عزوفها عن عقد اللقاءات التشاورية ورفضها التفاعل مع بعض الأطراف وإيثارها التواري والتركيز على «العمل في صمت».
ولاشكّ أنّ الاختبار العسير الذي سيكون على رئيسة الحكومة خوضه هو صياغة خطة عاجلة لمنع «النزيف» و«الكارثة الاقتصادية» فضلا عن كسب ثقة التونسيين وإقناعهم بضرورة العمل والإنتاج و«الجهاد» في سبيل إنقاذ الاقتصاد واستبدال ثقافة الفساد والكسل والتهاون واللامبالاة وعدم احترام المواعيد و... بثقافة النزاهة والمثابرة والتفاني في البذل والعطاء وتثمين الوقت... ولن نشير إلى رهان الحدّ من الفساد فذاك شعار لابدّ أن يتحوّل إلى مشروع إصلاحي شامل يغطي كل المؤسسات والقطاعات (كالتربية والتعليم، والثقافة والإعلام و....) وأنّى للتونسيين/ات أن يقتنعوا بضرورة القطع مع منظومة الفساد فهي متغلغلة في نسيج الحياة ...نزعم أنّنا نعاديها ولكنّنا نقع تحت سلطان فتنتها؟
لا تتوقف سلسلة الاختبارات عند هذه الأمثلة المذكورة إذ يتعيّن على رئيسة الحكومة أن تتعامل مع «التركة الثقيلة» التي ورثتها بحكمة وتبصرّ وأن تجد الدواء الناجع لمجموعة من الأدواء حتى يتعافى الاقتصاد ولا تنحدر القدرة الشرائية فتعمّ الخصاصة والفقر ويعود الإحساس بالإحباط واليأس ويرتفع عدد الراغبين في الحرقة والفرار من بلاد أضاعها أهلها بسبب الولع بالسلطة وتجميع المال.
ونقدّر أنّ ترسيخ روح العمل الجماعي في الفريق سييسر على رئيسة الحكومة قيادة مرحلة يقرّ الجميع بأنّها من أصعب المراحل التي عرفتها تونس وإيجاد الإيقاع المطلوب والمستساغ حتى لا يحدث النشاز. أمّا ضبط الإيقاع مع «الرئيس» فتلك مهمّة أكبر فصاحب العزف المنفرد يعجبه الركح ...
ومهما يكن الأمر عزفا جماعيا متناغما أو يتخلله النشاز فإنّ للرئيسة شرف المحاولة وسيحتسب لها، متى توفّرت لديها الإرادة ، أنّها حققت بعض المكاسب في إطار الممكن والمتاح وفق هذا السياق المعقّد.