مساندة ولو نقدية- لإعلان التدابير الاستثنائية من قبل رئيس الدولة يوم 25 جويلية إلى معارض،ولو بلين،للتنظيم المؤقت للسلط العمومية الذي نظمه الأمر الرئاسي ليوم 22 سبتمبر..
لا غرو من الاعتراف بأن البلاد خرجت من أزمة سياسية خانقة قبل 25 جويلية لتدخل إلى أزمة أخرى بمخاوف مختلفة فبعد ديمقراطية نخرها الفساد والضعف إلى تجميع كل السلطات في يد رئيس الجمهورية يضاف الغياب الكلي – إلى حدّ الآن – لأية منهجية تشاركية في طبخ القرارات وصياغتها .
وفي خضم كل هذا يطلّ علينا خطر جديد يريد إقحامنا فيه بعض نواب النهضة وحلفاؤهم ويتمثل في السعي الى استعادة البرلمان المعلقة اختصاصاته منذ 25 جويلية ثم عدم الاكتفاء بهذا والشروع في محاولة لعزل رئيس الدولة في خرق واضح لدستور البلاد أو لما بقي منه..
أن يعترض نواب على قرار رئيس الدولة تعليق أشغال المجلس باسم التدابير الاستثنائية فهذا حقهم ولا يجادلهم في ذلك أحد وان يبذولوا كل جهدهم لتغيير هذا المعطى بالطرق القانونية والسلمية فهذا أيضا حقهم ولا يجوز لأحد أن يحول دونهم وإياه ولكن أن نسعى الى خلق وهمي لشرعيتين متنافرتين فهذا خطر لا لكونه قادر على تهديد وحدة الدولة بل لأنه سيدخل البلاد في مسار من الفعل وردّ الفعل قد يخرج هذه الأزمة من سلميتها ويؤدي إلى مسارات غير محمودة يكون الإصلاح بعدها عسيرا وعسيرا للغاية .
إن اخطر ما يتهدد البلاد هو هذا الاستقطاب الحاد الجديد الذي تدعو إليه أطراف عدة مساندة أو معارضة للقرارات الرئاسية والتي تهدف إلى تحويل الخلاف السياسي القائم إلى صراع إيديولوجي لا يقبل التنازلات والحلول الوسطى،صراع وجود لا صراع حدود كما يقول الفلسطينيون في صراعهم مع الكيان الصهيوني.
في الصراع الإيديولوجي تحضر الحلول القصووية ويغيب العقل والحوار الضروري والتشاركية التي نص عليها الدستور ذاته ..
الصراع الإيديولوجي صراع نفي متبادل لا مكان فيه لقبول الآخر المختلف، وهو صراع سيرهق البلاد كما حصل ذلك خاصة زمن حكم الترويكا وستكون حياة الناس ومعيشتهم ضحيته الأولى وسيتراجع مرة أخرى، اقتصادنا المترنح وستكون كلفته السياسية والبشرية والمالية مرتفعة للغاية .
لقد لفظ عموم الناس هذا البرلمان ليس بعد 25 جويلية ولكن منذ بداية هذه العهدة ولم تدرك حركة النهضة وحلفاؤها أن رئاسة راشد الغنوشي لمجلس نواب الشعب كانت بداية النهاية لهم جميعا .. ولكن رفض هذا المشهد المزري لا يعني القبول بحكم فردي جديد ذي مشروع هلامي قد يقضي على ما تبقى لنا من إمكانيات الصمود والبقاء.
طريق المغالبة مسدودة ومنزلق التغيير الجذري للمشهد بحكم التدابير الاستثنائية خطير للغاية وتنازع الشرعيات مدمر ..
أمامنا طريق واحدة للنجاة،طريق العقل والعيش المشترك والتشاركية في إصلاح أخطاء الماضي وبناء المستقبل ثم العمل معا من أجل إنقاذ البلاد والعباد والتأسيس لحلم جماعي جديد.
المنقذ الحقيقي هو الذي يقود الشعب زمن السلم والبناء لا زمن الاحتراب الداخلي.