بعد هذا المؤتمر وبتفويض واضح ليواصل مسيرة الإصلاح النهضوية..
لكن الواقع خلال المؤتمر وبعده على غير هذه الصورة... إذ ما بقي في ذاكرة التونسيين هو عملية استعراض قوة لا غير.. استعراض قوة تحول إلى تشكيك في نوايا الحركة الإسلامية وفي مصادر تمويلها.. ولكن الأهم من كل ذلك هو ضعف الحوار السياسي والفكري في مؤتمر أريد له أن يكون مضمونيا... مؤتمر لم يرشح منه سوى تمرد عناصر بارزة في الجيل الخمسيني (جيل الاتحاد العام التونسي للطلبة UGTE على «الشيخ» المؤسس ومطالبتهم بديمقراطية التسيير في حركة طالما تبجّحت بـــ»شوريتها» وديمقراطيتها الداخلية..
لقد أعطت الحركة الإسلامية الانطباع أن طريقة تسييرها لا تنتمي من قريب أو بعيد لطرق التسيير الديمقراطي.. بل المفارقة الكبرى أن رئيسها السيد راشد الغنوشي الذي يبني خطابه السياسي منذ ثلاث سنوات على الأقل على دعم الديمقراطية وترسيخها في البلاد لا يبدو أنه
قابل بها داخل الحركة التي أسسها إذ يعتبر – كما قال نهضوي بارز – بأن له «حق» التأسيس... وأن هذا «الحق» يخوّل له بأن يسيّر الحركة مع فريق من اختياره هو لا من اختيار النواب في المؤتمر...
وحتى مجلس الشورى، وهو ما يعادل المجلس المركزي أو اللجنة المركزية عند الأحزاب الأخرى، فهو لا يُنتخب بالكلية من قبل المؤتمر بل يبقى ثلثه رهينة رغبة الفائزين وتقديرهم للتوازنات التي يريدون فرضها داخل هذا الهيكل...
التسويق النهضوي يقوم على فكرة أن الديمقراطية الداخلية خرجت منتصرة ويرون أن النقاش الحاد حول لائحة النظام الداخلي ومنافسة مؤسس الحركة على الرئاسة..
كل هذا يؤشر على حيوية داخلية وعلى أن رأي الأغلبية هو الذي انتصر في النهاية..
ولكن لا يمكن لهذا التسويق أن يخفي الحقيقة التالية وهي رفض الرئيس المؤسس لقوانين اللعبة الديمقراطية الداخلية والتي تفرض انتخاب قيادة من المؤتمر مباشرة إذ لا نفهم كيف يمكن تعيين أمين عام للحركة أو أمين مال أو نائب رئيس...
والواضح أن الغنوشي كان يخشى من رموز التيار الخمسيني (عبد اللطيف المكي وعبد الحميد الجلاصي وفتحي العيادي...) الذين كانوا سيصعدون بقوة للمكتب التنفيذي لو تم انتخابه مباشرة من المؤتمر...
وهذا يعني أن الخط السياسي الذي أراد فرضه راشد الغنوشي منذ أوت 2013 لم يصبح بعد هو الخط الغالب وانه يخشى أن يجد نفسه في موقع الأقلية داخل الهيئة القيادية للحزب ولذا فرض على المؤتمرين اختيارا يشبه إلى حد كبير طرق التسيير التسلطية في أنظمة الحزب الواحد...
والأكيد أن «جراح» المؤتمر لن تندمل بالدموع والعناق وأنها ستترك آثارا واضحة على الحركة الإسلامية... وأن «القوة» الظاهرة لرئيس النهضة إنما تخفي ضعفا هيكليا لم يتمكن المؤتمر العاشر من تجاوزه وأن ما ينقص النهضة اليوم ليس فقط حداثة التفكير بل وأيضا حداثة التسيير...