تمهيدا للإلغاء الكلي لدستور 2014: الفصل السادس، أو الشجرة التي تخفي الغابة

عند استقباله لوزير الشؤون الاجتماعية محمد الطرابلسي والمكلفة بتسيير وزارة الاقتصاد والمالية ودعم الاستثمار سهام البوغديري نمصية

كان الهدف المعلن لرئيس الدولة الحديث عن المساعدات الاجتماعية الظرفية من جهة والتوازنات المالية الكبرى من جهة أخرى،لكن وبما أن الحديث ذو شجون تطرق رئيس الجمهورية إلى «خرائط» الطريق والحكومة وأكد من جديد انه لا رجوع إلى الوراء وأن الدستور يسمح له في فصله الثمانين بأخذ الإجراءات الاستثنائية التي أعلن عنها يوم 25 جويلية ثم وبصفة مفاجئة تعرض إلى الفصل السادس من الدستور الذي أثار جدلا كبيرا أثناء صياغته ليقول بأنه لو اجتمعت كل المحاكم الدستورية في العالم لما أمكن لها تطبيقه ..
ينص الفصل 6 على ما يلي:
«الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي.
تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف والتصدي لها».
يشير رئيس الدولة ولاشك إلى التعارض القائم بين «رعاية الدين» و«حماية المقدسات ومنع النيل منها» من جهة و«كفالة حرية المعتقد والضمير» من جهة أخرى .. فالدولة تكفل حرية الكفر بالأديان وتحمي في نفس الوقت المقدسات .. وقد أشار العديدون في الإبان إلى هذا التعارض الفلسفي ولكن كان الرأي السائد آنذاك أن التناقض الظاهري في صياغة الفصل السادس يمكن أن يلعب دورا إيجابيا بداية بمنع الأفراد والأحزاب والجماعات من الاستئثار بالمسألة الدينية باعتبارها اختصاصا حصريا للدولة وثانيا في توظيف أفكار وقيم حرية المعتقد والضمير وفق جدلية «نشر قيم الاعتدال والتسامح» ..
لاشك أننا أمام حلّ توفيقي اقتضته موازين القوى أثناء المرحلة الأخيرة من صياغة الدستور والذي يستنكر اليوم هذا التوفيق/التلفيق عليه أن يقول لنا هل هو فقط مع «حرية الضمير» أم انه من جماعة «حماية المقدسات» على إطلاقها، والواضح أننا مع قيس سعيد اقرب إلى هذا التأويل الثاني .
هل أراد رئيس الدولة أن يعيد فتح صراع الهوية من جديد في تونس؟ لا نعتقد ذلك رغم أن كل الأدلة تشير إلى تبني رئيس الدولة لنظرة محافظة للغاية،إذن ما الغاية من هذا الهجوم المباغت على الفصل السادس؟
نحن نرجّح وجود خطة رئاسية تجعل من دستور 2014 موطن الشرور والآثام في هذه العشرية الماضية وأن الدستور لم يخفق فقط في النظام السياسي بل في كل أبوابه وفي جلّ فصوله ..
وهكذا يصبح دستور 2014 مخطئا في النظام السياسي، لا فقط في العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، بل وفي هندستهما كذلك أي نظام رئاسي مع هيئة تشريعية هي دون مشروعية الرئاسية بكثير وتقع تحت ضغط سحب الوكالة من قبل «الشعب» ولكن هذا يعني أيضا إلغاء جلّ الهيئات الدستورية أو كلّها باعتبار أنها تفتت السلطة وتحدّ من مجال تدخل الجهاز التنفيذي، وقد يكون الأمر كذلك بالنسبة للسلطة المحلية والتي قد تغيب كمفهوم وكهندسة في «الدستور الجديد» والأمر لن يقف عند هذا الحدّ بل سيشمل أيضا بابي المبادئ العامة، والفصل السادس من بينها، والحقوق والحريات وربّما أيضا باب السلطة القضائية لإعادة هيكلتها وفق هندسة جديدة .
بهذه الطريقة يتجنب قيس سعيد معضلة تعديل الدستور إذ سيضطر حينها إلى تبرير كل حذف أو إضافة بينما يسمح له التعليق الفعلي للدستور بالانطلاق من «صفحة بيضاء» أو من دستور 1959 كما سبق له أن أسرّ بذلك إلى الأمين العام لاتحاد الشغل وهكذا يتحكم في الهندسة العامة للسلطة وفي الصياغة التقنية للفصول دون الاضطرار إلى أي توافق ما مع أية جهة كانت ثم يعرض مشروعه على الاستفتاء ويصبح دستور 2022(؟) «دستور الشعب» لا دستور مجلس تأسيسي ولا دستور الأحزاب والحسابات والصفقات.
سيقول البعض (لأن الغالبية ستهلل) وأين والالتزام بالقسم الذي نص عليه الدستور في الفصل 76 وأين هي اليمين التي أداها قيس سعيد أمام مجلس النواب يوم 23 أكتوبر 2019 حيث قال من بين ما قال «وان احترم دستورها وتشريعها» والرئيس مقبل على إلغاء كلي للدستور الذي اقسم عليه؟!
الأكيد أن بعض المفتين الجديد لـ«حركة 25جويلية» سيقولون لنا أن المقصود بالدستور هو فكرة الدستور ذاته لا دستور 2014 بالذات وأن «احترام الدستور» هو في إلغاء دستور 2014،دستور الأحزاب والمنظمات والحسابات والصفقات وإقرار «دستور الشعب» وفق ما يريده الشعب وما الرئيس إلا الروح التي تتجسد فيها الإرادة الشعبية ..
وهكذا يصبح الفصل السادس بيدقا في خطة أشمل المراد بها إعداد الهجوم على حصون دستور 2014 بغثها وسمينها.
كثيرون قبل قيس سعيد دعوا إلى دستور الجمهورية الثالثة ولكن ما سيحصل في الأسابيع والأشهر القادمة لن يلبي رغبات وشهوات هؤلاء سيكون دستورا لا نظير له في كتب التاريخ ..فما بالك بكتب الجغرافيا ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115