فتاريخ الـ25 من جويلية الذي اعلن فيه رئيس الجمهورية عن تفعيل الفصل 80 من الدستور وبموجبه اتخذ جملة من القرارات والتدابير التي تمثل في احد اوجهها العديدة اعلانا عن نهاية حركة النهضة في شكلها الحالي نهاية قد يكون رئيس الجمهورية سرّع في حلولها، ولكن بدايتها كانت سابقة، اذ تعود لسنوات خلت انطلقت فيها عملية التفكك البنيوي لحركة النهضة بعد ان سبق لها ان شهدت انتقالا من حركة احتجاجية تتمتع بحاضنة شعبية لحزب «حاكم» بات غير قادر على التجدد وقراءة المشهد تحت اقدامه.
تفكك استهل باستقالات متفرقة على خلفية تناقض المواقف والتقديرات السياسية والتموقع، لكنها كانت محدودة التاثير في حركة النهضة التي تمكنت بفضل خصائصها التنظيمية والعقائدية من البقاء والخروج بأخف الاضرار دون ان تنفجر او ينفرط عقدها.
لكن وكما السدود، الشرخ لا يهدم الجدران مباشرة ولكنه وبغض البصر عنه وعدم ادراكه ينتهى بان يهدم البنيان المرصوص. والنهضة وطوال السنوات العشر التي كانت فيها عنصرا قارا في الحكم، تجاهلت «الشروخ» وبوادر ازمتها مرارا.
فالحركة التي فازت في انتخابات 23 اكتوبر 2011 باكثر من مليون ونصف مليون صوت، نجحت في ان تتكبد خسائر فادحة في قاعدتها الانتخابية التي تقلصت الى دون 600 الف صوت في 2019 لكنها لم تلتقط معاني هذه الخسارة عليها سياسيا ولم تدرك خطر تزامن فقدانها للحاضنة الشعبية وللمشروعية في الشارع وتقاطع هذا مع بداية تفككها البنيوي الذي انهى حالة «القداسة» عن المرشد / الشيخ وانزله الى مرتبة السياسي والحزبي القابل للنقد والعزل.
تفكك بنوي نسف متانة البناء التنظيمي للحركة التي تأسست على مقولات «الجماعة» التي توفر طوق حماية لها يوحدها تنظيميا ويجعلها قادرة على تلقى الصدمات وتقليص اثارها على الجسم التنظيمي، وهو الفرق الجوهري بين ما تسميه الحركة «محنة التسعينات» واليوم.
فعلى عكس ازماتها السابقة الناجمة عن الصدام مع نظامي الرئيس السابق الحبيب بورقيبة او زين العبدين بن على الذي اطاحت به الثورة في 2011، تواجه النهضة اليوم الرئيس قيس سعيد وقد جرّدت نفسها من كل حماية او عناصر قوة. اذ انها تخوض صراعها مع سعيد وهي في اشد مراحلها وهَنًا، فهي تصارع للابقاء على وحدتها التنظيمية ولكن الاهم لديها الحفاظ على «انصار» في الشارع التونسي.
فالنهضة ولاول مرة منذ نشأتها تجد نفسها اليوم تواجه عدوا أشد عليها من عدويها السابقيين، فالحركة التي كانت تؤصل في ادبيتها «صراعها مع الدولة والنخبة» وجدت نفسها اليوم في صراع مع جزء هام من الشارع/ الشعب أي ان الحركة وبفضل اخطائها المتراكمة وتأخر عملية الإدراك نجحت في ان تجعل كل البيئة المحيطة بها «عدوة»، وهذا يجعلها معزولة ومحاصرة غير قادرة على ايجاد منافذ او مخارج تمنحها فرصة «النجاة». وهذا معناه انها باتت جزءا من الماضي ومعادلته. بعد ان جردت من كل اورقها في صراعها الحالي مع الرئاسة التي كانت حاسمة في الرد على كل محاولة النهضة للتفاوض او ايجاد «توافق» بموجبه تمنح الحركة مخرجا امنا يبقيها في المشهد.
فالحركة يبدو انها ونظرا للصدمة وعدم قدرتها على فهم الاحداث بشكل جيد وجدت نفسها تتخبط لمنع «النهاية التنظيمية». لهذا لم تدرك ان الرئيس قد كان حاسما في مسالة نهاية منظومة حكم 23 اكتوبر 2011، فعرضت عليه التفاوض مقابل ورقة رئاسة البرلمان وقد غاب عنها ان هذه الورقة لم تعد ذات قيمة.
هذا ما كشفه البيان الصادر عن النهضة الذي اعلن فيه عن تشكيل لجنة ازمة يرأسها محمد القوماني وما كشفته بيانات كتلتها البرلمانية المجمدة وكل التحركات التي اتت عليها منذ 25 جويلية. كشفت ان تجربة حكم النهضة قد بلغت اقصى قدرتها على البقاء والصمود في مشهدا سياسي وهي غير قادرة بذات عناصر الازمة على البقاء في المشهد.
مشهد لا تنتفي فيه الحاجة لحسم او تعبيرة سياسية تقدم نفسها لخزان انتخابي محافظ/ اسلامي ولكنه مشهد لفظ الحركة بشكل نهائي وبات اعلان هذه الحقيقة مسالة وقت ومكابرة من قادتها الذين ياملون بحدوث معجزة تعود بهم الى 24 جويلية2021.