في الصراع بين أجنحة السلطة: قيس سعيّد يسجل نقاطا هامة

في الحرب الطاحنة بين مختلف أجنحة السلطة كانت نقطة الضعف الأساسية لرئيس الجمهورية قيس سعيد انه

كثير الكلام والتهديد ولكن دون فعل إلا تعطيل خصومه والإسهام بذلك في إدامة الأزمة واستدامتها ..
نجح قيس سعيد في أيام قليلة في تغيير جذري لهذه الصورة إذ تحول من مجرّد مزايد على الجهود المتواضعة للغاية للحكومة ولحزامها السياسي في مواجهة هذه الكارثة الصحية إلى فاعل أساسي في جلب اللقاحات للبلاد .. إذ تمكن رئيس الدولة بعد تحرك ديبلوماسي سريع من تحريك موجة من التضامن الفعال للبلاد تَتَرجم بهبات من دول شقيقة وصديقة بمستلزمات طبية وأجهزة متطورة وخاصة بأكثر من مليوني جرعة من لقاحات مختلفة، أي ما يعادل تقريبا كل ما جلبته البلاد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عملية اللقاح ..
صحيح أن بعض هذه الهبات لم تكن نتيجة لتدخل مباشر من الديبلوماسية التونسية بل إثر تحركات قوية لشخصيات تونسية استفادت من علاقاتها المتميزة مع بعض دوائر القرار في دول صديقة وهي قد فضلت إلى حدّ الآن العمل دون ضجيج إعلامي وأن بعض الدول الأخرى قد تحركت من تلقاء نفسها في هذه الموجة التضامنية مع بلادنا ولكن وبغضّ النظر عن كل هذه الجزئيات لا يمكننا أن ننكر الدور الإيجابي والفعال لرئيس الدولة في هذه الوفرة النسبية لسلاح اتسم بالندرة لمدة أشهر طويلة.
الصورة قوية ولاشك إذ بدا قيس سعيد حلاّ عمليا لتواضع المردود الحكومي في أهم ملف يهمّ التونسيين اليوم ..
من مفارقات الزمن أن الرئيس الذي يدعو دوما إلى تبني «تصورات جديدة» و«فكر جديد» لمشاكل الداخل والخارج قد عمد إلى الطريق الأكثر تقليدية في الديبلوماسية: الاتصال بدول شقيقة وصديقة عبر القنوات التقليدية وطلب العون للبلاد وهذا ما حصل بالفعل خلال هذه الأيام الماضية، أي وكأنّ إنجاز قيس سعيد الذي لا ينكر قد جاء على عكس التوجه الذي أراد أن يؤسس له والذي بقي مجرّد تصورات عامة دون أي مضمون عملي..ولكن في السياسة ،كما في الرياضة،العبرة ليست بالتكتيك المتبع ولا حتى بجمالية اللعب بل بواقعية النتائج..
في المقابل تصرف رئيس الحكومة هشام المشيشبي مع وزير الصحة الممارس/المقال تماما كما كان يتصرف معه رئيس الدولة : قطيعة معلنة بين رئيس الحكومة ووزير الصحة والبلاد تعيش أعتى أزمة صحية في تاريخها المعاصر وتسريب أخبار ومعطيات تضعف موقع وزيره وتتهمه بالتقصير في مواجهة الوباء وتلويح بإعفائه نهائيا وتعويضه بوزير من النهضة تحت غطاء الكفاءة السياسية والقدرة القيادية (عبد اللطيف المكي) مقابل ضعف النجاعة وغياب المبادرة والصراع المفتوح مع القصبة ..
إنها مفارقة المفارقات في هذه اللحظة من الأزمة التونسية: رئيس جمهورية يكره الحلول التقليدية ولكنه يضطر إلى انتهاجها بنجاح واضح، ورئيس حكومة طالما طالب بتوحيد جهود الدولة ونبذ الصراعات الشخصية عندما كان هو المتضرر منها ولكن عندما يدخل في صراع مع أحد وزرائه يعمد إلى نفس الأساليب التي كان ضحية لها ..
أما «الحزام السياسي» المتحرك اليوم بقوة من أجل « حكومة سياسية» فنرى أن همه الوحيد هو الخروج من أزمته ومحاولة ركوب موجة التعافي الصحي النسبي المرتقب ليحكم قبضته على مفاصل الدولة التي خرجت عن سيطرته ..
تونس أمام فرصة قد لا تعاد للخروج من منطقة الخطر الصحي وكل من قد يضعف هذا الجهد سيكون شريكا في جريمة في حق البلاد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115