وغياب معايير الشفافيّة والحوكمة الرشيدة في قطاعات عديدة. إذ بالإضافة إلى اهتراء المنظومة الصحيّة تفطّن التونسيون/ات إلى سوء تدبير أعضاء الحكومة وعجز رئيس الحكومة عن الإيفاء بوعود قطعها. وهنا اتّسعت الفجوة بين خطاب رسميّ يزعم السيطرة على الوضع، والقدرة على إدارة المرحلة بـ«كلّ حزم ومسؤولية» وما يجري على أرض الواقع من خروج الوضع عن السيطرة.
لقد أشرنا في افتتاحيّة سابقة، إلى الممارسات التمييزيّة التي تجلّت في مستوى تطبيق التعليمات والإجراءات الصحيّة، من جهة، وتمكين «أصحاب الامتيازات» من اللقاح على حساب عامّة الناس، من جهة أخرى، ولكنّ الوباء لم يكشف بنية التمييز فحسب بل ساهم في لفت انتباهنا إلى واقع هيمنت فيه ممارسات أدّت إلى تجذّر اللاعدالة واللامساواة بين التونسيين/ات وعودة القمع. وعلى هذا الأساس بات من الضروريّ أن نتجاوز النظرة إلى الوباء على أنّه ظاهرة تهدّد صحّة الفرد وتتطلّب توفير الدواء والعلاج واللقاح والرعاية الشاملة... إلى التمحيص فيه باعتباره بناء اجتماعيّا يفرض على كلّ مجتمع أن يعيد تنظيم مؤسساته والتأمّل في آليات اشتغاله.
فإذا نظرنا إلى المجال السياسي لاحت أمامنا مؤشرات عديدة تقيم الدليل على مدى استغلال السلطة لهذا السياق المخصوص، لتحقيق الهيمنة عبر استرجاع ممارسات قديمة خُيّل للتونسيين أنّهم قطعوا معها .نذكّر في هذا السياق بطريقة تعامل قوّات الأمن مع الاحتجاجات الشبابيّة الأخيرة، وانتهاك حقوق عدد من الصحفيين والمدوّنين/ات وغيرهم بدعوى سوء فهم التعبير حريّة واستعمالها وغيرها من الحالات. وإذا كان اختبار الديمقراطية يتمّ من خلال تبيّن تعامل السلطة السياسيّة مع القوى المعارضة فإنّ حجّة «الدواعي الصحية» جعلتها تحكم السيطرة على المجتمع المدنيّ وتطوّعه وتصمّته من خلال منع الاحتجاجات، وهو أمر جعل الحكومة في حلّ من الالتزامات والضوابط التي فرضها مسار الانتقال الديمقراطي.
وفي السياق نفسه ما كان المعنّفون داخل مجلس الشعب ليتجرّأوا على اقتراف تلك الجرائم لولا تأكدهم من عجز المناصرين والمناصرات عن ممارسة الضغط من أجل محاسبتهم. وما كان بإمكان الحزب الحاكم ومن والاه أن يمرّر مشاريع تخدم مصالحه، وأن يفرض ما يراه متلائما مع رؤيته للحكم.
أمّا على الصعيد الاجتماعيّ فقد سمح لنا السياق الوبائي بتبيّن الهشاشة النفسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، والأمراض الاجتماعيّة التي جعلت التونسيين غير قادرين على ممارسة أشكال من التضامن والتآزر الدالة على توحّدهم من أجل خدمة الصالح العامّ.
ولا يعود إنتاج الممارسات التمييزية واللاعادلة إلى واقع الاستقطاب الأيديولوجيّ والسياسيّ وما خلّفه من ضغائن فحسب إنّمايفسّر تفكّك النسيج الاجتماعي بالاعتماد على تحليل عدّة عوامل منها الأخلاقي والنفسي والسلوكي.. لم تخضع لقراءات تفكيكيّة معمّقة.فبالرجوع إلى موقف شرائح من التونسيين من حالات «الانفلات» وإصرار الجموع «الجاهلة» والمجرمة» على رفض «التعليمات» نتبيّن مدى أثر الموقع والمكانة الاجتماعية والثقافة والانتماء الطبقي... في تقييم سلوك التونسيين ونظرتهم إلى هذه التصرفات. فمن كان ينعم بالعيش في بيت يتوسّطه مسبح «يجوز» له أن يغضب من «الهمجيين» و«سقط المتاع» وأن يدعو إلى منع ارتياد الشواطئ بقوّة الجيش وإن لزم الأمر بضرب العوام بالسوط ، ومن كان يملك المال للبس أجود الكمامات وشراء أحسن مواد التعقيم والتنقّل في سيارة مكيفة «يجوز» له أن يصدر الأحكام بشأن «المجانين» و«العوام».. ومن كان ينعم بأكل اللحوم يوميّا «يجوز» له أن يدعو إلى منع «الاحتفال بعيد الأضحى» ...
تدعونا هذه الأمثلة وغيرها إلى إعادة النظر في تمثّلنا للآخرين الذين لا يشبهوننا.. أولئك الذين يكابدون من أجل الشعور بأنّهم لازالوا أحياء، حتى وإن اقتضى الأمر المجازفة وسرقة «متعة النزول إلى البحر» أو الاحتفال بالعرس أو النجاح.
ما أسهل أن نصدر الأحكام التي ندين بها الآخرين ونحوّلهم إلى أعداء «التحضّر» بدعوى أنّنا نفهم أكثر منهم ووعينا يختلف عن وعيهم وهكذا تبنى الجدران العازلة بين الناس وتوضع الحدود الصارمة بين نحن/هم فيغدو الحديث عن لحمة التونسيين/ات ضربا من التمويه والتزييف.
أزمة كوفيد 19 تكشف المستور
- بقلم امال قرامي
- 10:29 09/07/2021
- 1368 عدد المشاهدات
لاشكّ أنّ حلول الوباء ببلادنا قد ساهم في تعرية الواقع المرير وفضح مواطن الضعف والإهمال واللامبالاة وسوء التقدير