استفحال الوباء وانعدام انتظارت التونسيين من دولتهم: فشل منظومة حكـــــم 2011

«متستناو/ لا تنتظروا شيئا من الدولة» كلمات باتت تتردد كثيرا في الخطاب التوعوي والتحسيسي من خطر الكورونا

وبضرورة ان يقع العمل بالإجراءات الوقائية وهي تصدر عن سياسيين ونشطاء وإعلاميين.
كلمات تختزل المشهد التونسي برمته وتكشف عن ان الشعب/ المواطنين باتوا يستبطنون حقيقة انه لا توجد دولة لتوفر لهم اساسيات العيش الكريم وتحمي حياتهم من خطر الجائحة وتضمن لهم رعاية صحية او غيرها من الخدمات والأدوار التي يقايض بها الافراد نصيبا من حريتهم مع الدولة التي تصبح هنا كائنا مسؤولا عن الارواح والأرزاق في اطار عقد مضبوط مقابل امتثال الشعب/ المواطنين للنواميس والقوانين والسياسات العامة لها.
هذا التعريف المختزل للدولة الذي ينتقل بها من كونها رقعة جغرافية تخضع لنظام ومؤسسات، الى جهاز واليات لتسير الشؤون اليومية للأفراد وتنظيم الفضاء العام وتؤسس لقواعد العيش المشترك وتوفير الخدمات الاساسية دون تمييز وضمان الحقوق الطبيعية للأفراد وتمنح لهم مناخا للانعتاق. هذه الدولة التي حلم بها التونسيون. دولة عادلة تضمن لهم الكرامة وتساوي في ما بينهم في الحقوق والواجبات.
لكن مع تتالي الخيبات وفشل منظومة ما بعد 2011 في الاستجابة للمطالب. باتت الدولة تستحضر في العقل الجمعي للتونسيين صورة تختزلها وتجعل منها رديفا «للمنظومة السياسية» أي ان التونسيين وهم يلعنون دولتهم هم في الحقيقة يلعنون منظومة سياسية، وهم يعلنون انهم توقفوا عن الايمان بالدولة هم في الحقيقة كفروا بمنظومة حكم ما بعد 2011.
هذه المنظومة التي يدينها التونسيون اليوم بقولهم «لا تنتظروا من الدولة شيئا « هي من يسخط عليها الناس وليس الدولة، فهم وبعد 10 سنوات من الثورة وبعد الاستحقاق التأسيسي واستحقاقين انتخابيين رئاسي وتشريعي في 2014 و 2019 رسخ لديهم انطباع بان الطبقة السياسية وخاصة من انخرطوا في الحكم خلال السنوات العشر الفارطة، اولوياتهم وانشغالاتهم متناقضة كليا مع انتظارات التونسيين.
منظومة حكم ما بعد 2011، التي يبرز على رأسها بالأساس الثلاثي. رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والبرلمان. كانت في انقطاع كلي عن واقع التونسيين وعن ازمنتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية. واليوم ومع الوضع الوبائي والسياق الصحي الخطير الذي تعيشه البلاد التي يبدو أنا تتجه الى كارثة صحية يستمر هذا الانفصال عن الواقع لدى منظومة الحكم اذ ان الاحداث التي نقلت امس من البرلمان، وهو الجناح التشريعي لمنظومة ما بعد 2011 ، كانت مرة اخرى صادمة ومقرفة، اعتداء بالعنف كانت ضحيته النائبة عبير موسي التي استهدفها زميلاها في البرلمان، الصحبي سمارة وسيف الدين مخلوف رئيس كتلة ائتلاف الكرامة.
عنف قصدي مخطط وممنهج يكشف ان البرلمان التونسي في عهدته الحالية بات فضاء غير امن للنساء بالأساس. وللمعارضة بوجه عام. اذ ان الاغلبية الحاكمة التي تقودها حركة النهضة تتمسك بغض البصر عن العنف الذي يرتكب من قبل ائتلاف الكرامة لأسباب تتعلق بالتموقع السياسي وضمان منصب رئيس البرلمان لشيخها راشد الغنوشي.
منصب من اجله وقع التساهل مع العنف منذ البداية ووقع توفير حماية سياسية وقانونية لمرتكبيه ليساهم ذلك في استشرائه تحت قبة البرلمان التونسي الذي يتذيل الترتيب المؤسسات التي يثق فيها التونسي.
صراعات ومناكفات وحسابات سياسوية جعلت من السلطة التشريعية البرلمان مؤسسة ينظر اليها بعين الريبة والى كل ما يصدر عنها على اعتبار انها باتت في خدمة القبائل والأطراف السياسية ومراكز النفوذ لا في خدمة الشعب صاحب السلطة الاصلية.
والأمر لا يختلف عند السلطة التنفيذية برأسيها. فهما ضلعا المثلث ولهما نصيب في ما نحن فيه وفي التقييم السلبي للتونسيين، اذ ان الحكومة الحالية ومنذ تقلدها لزمام الامور جسّدت الضعف والتخبط وانعدام الرؤية السياسية. حكومة اختار رئيسها منذ البداية ان ينشغل بضمان مستقبله السياسي والاصطفاف لتحقيق ذلك مع اغلبية برلمانية ضد الرئاسة.
اصطفاف جعل الحكومة تراكم اسباب الفشل والعجز، وتدفع الى قطيعة في اعلى هرم السلطة التنفيذية ادى الى ان يصاب الجهاز التنفيذي للدولة التونسية بشلل كلي. حكومة نصفها بالنيابة اصابه ما أصاب رئيس الحكومة من انحراف للانشغال بتحصين المواقع وتامين المنصب عوضا عن ادارة شؤون البلاد. شلل وضعف يكفي النظر الى مؤشرات الحالة الوبائية في تونس للوقوف عليه دون حاجة الى العودة لمؤشرات الاقتصادية ولا للاحتقان الاجتماعي المتصاعد.
اما الراس الثاني للسلطة التنفيذية: رئيس الجمهورية، فهو ومنذ انطلاق عهدته حرص على اعلان انه في كوكب مختلف، عزل نفسه في قصر قرطاج واختار نهجا طهرويا ادى في النهاية الى الكثير من الاخطاء السياسية وسوء تقدير الأولويات ليصبح هم رئيس الجمهورية اليوم وأولويته تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم لا إلى ادارة الاستحقاقات العاجلة والآنية. التي تستوجب حدا أدنى من التنسيق بين مؤسسات الحكم وأضلع المنظومة السياسية.
هذه القطيعة التامة بين منظومة حكم ما بعد 2011 وبين الواقع التونسي واستحقاقاته، منظومة كشفت عجزها عن تحقيق الاستقرار السياسي وعن الاستجابة لنتظارات التونسيين والقيام بالاصلاحات الكبيرى وموائمة النصوص التشريعية والترتيبية لتتماشى مع تونس الثورة.
منظومة وان تغيرت اسماء من هم على راس اضلعها الثلاثة، كانت قاصرة عاجزة عن ادراك الواقع التونسي والعمل وفق مقتضياته لتحقيق وعد دولة الرفاه، منظومة كل ما قدمته، الانطباع السائد وهو الصراعات والمناكفات السياسية الباحثة عن التموقع وتحقيق مكاسب ومغانم حزبية وفئوية.
مكاسب حققها من مر على الحكم او هو فيه اليوم، ولكن مقابل هذا وقع تحطيم «فكرة» الدولة وتمثلها لدى التونسيين الذين باتوا يعلنون عن قنوطهم منها وعن احلامهم بالفرار من نيرها، وهم في ذلك لا يدينون تونس بل يدينون كل الفاعلين السياسيين الذين عجزوا عن ادراك انهم قادوا البلاد الى الخراب.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115