هو رديف العطالة المطلقة بل والاضرار المتبادل بتونس وصورتها في الداخل والخارج ..
كيف يمكن أن نفهم أن بلادا تعيش أعنف وأعمق أزمة اقتصادية واجتماعية وصحية -كذلك- دون أن تكون الطبقة الحاكمة قادرة على الحدّ الأدنى من المعالجة الجماعية ومن تضافر الجهد والتنسيق المستمر قصد إيجاد الحلول الأكثر نفعا للبلاد..
كان يمكن لصراع رأسي السلطة التنفيذية أن يبقى في مستوى محدود لو قبل كل واحد منهما ألا يدوس على مجال الآخر وألا يُشهّر به في الداخل أو في الخارج وهذا كان حال الصراع بين المغفور له الباجي قائد السبسي ويوسف الشاهد ..
أما اليوم فقد وصلنا إلى المرحلة القصوى من هذا العبث القاتل إذ تجاوزنا رفض التنسيق في الملفات الأساسية إلى رغبة واضحة في التعطيل أو على الأقل في العمل على نفس القضايا بمنهجيات وبأهداف متغايرة بما يفقد الدولة التونسية كل قدرة جدية على التفاوض في هذه الملفات ..
وللإنصاف نقول هنا بأن دور رئيس الجمهورية هو الأسوأ في هذا المجال إذ يرفض بوضوح تشريك الحكومة في كل تفاوض أجنبي له صبغة اقتصادية أو أمنية ..
في ظرف أيام معدودات شاركت تونس في قمة في باريس تتعلق بتمويل الاقتصاديات الإفريقية دون إعداد ملف واضح أو مقترحات ملموسة لا للقمة ولا للمؤسسات المالية ولا للوفود الإفريقية المشاركة، واكتفت تونس، ممثلة في رئيسها، بترديد الشعارات التي تعود عليها الآن كل شركائنا : أفكار جديدة ومنهجية جديدة لعالم جديد.. وتكرر هذا في كل المواضيع والملفات من التلقيح إلى المديونية إلى الهجرة غير النظامية ونعتقد أننا بذلك قد دافعنا على حقوق ومصالح البلاد..
ثم إن التصريح في قناة فرانس 24 بأن الدولة ينخرها الفساد وان اللصوص هم المهيمنون على البلاد وان العدالة قد أفسدتها السياسة ،فهل من دعاية أسوأ من هذه للبلاد؟! وهل من أدنى فائدة طلب شراكات مع الخارج أو أن يأتي المستثمرون لبلادنا ؟ ! القضية لا تتعلق بقيس سعيد أو هشام المشيشي أو راشد الغنوشي أو نور الدين الطبوبي أو غيرهم بل بالمصالح الحياتية للدولة التونسية والغريب أن طيفا من التونسيين يقبلون بمثل هذه الإساءة للبلاد بحجة أن قيس سعيد يتصدى للفاسدين !!!
ثم كيف يتفاوض القصر حول موضوع الهجرة غير النظامية مع وزيرة داخلية ايطاليا والمفوضة الأوروبية المكلفة بالشؤون الداخلية دون أدنى تنسيق مع الحكومة من أجل بلورة تصور مشترك ومطالب مشتركة نفاوض بها شركاءنا ودون الاتفاق الدقيق حول مصالحنا الإستراتيجية كدولة وكمواطنين ؟ !
وما قلناه عن رئيس الدولة ينطبق تماما على رئيس الحكومة إذ يتفاوض بواسطة وزير المالية مع صندوق النقد الدولي دون أن يتحاور في ذلك لا مع رئيس الجمهورية ولا مع أهم المنظمات الوطنية، فنحن إزاء اتفاق هام ستقدم فيه تونس تعهدات والتزامات سيكون لها أثر على البلاد وعلى القدرة الشرائية للمواطنين وعلى أهم اختياراتنا الاقتصادية والاجتماعية، وكل هذا يستدعي موقفا تونسيا موحدا على الأقل في ما يتعلق برأسي السلطة التنفيذية حتى تتضافر المجهوات بدلا من تناحرها وتضاربها ..
لم نعد اليوم أمام صراعات نرجسية صبيانية فقط بل أمام تهديم لما بقي من مقومات عيشنا المشترك ..فنحن أمام عملية كسر عظام رهانها الوحيد الحكم المتفرد للبلاد حتى لو كانت ركاما .
كل هذا ونحن لم تقض بعد ثلث العهدة الانتخابية ...