على نهجها الذي ارسته منذ اشرافها على ادارة شؤون الحكم والعباد.
اذ ان التخبط والحيرة وتجنب تحمل مسؤولية القرارات الكبرى حاضرا بثقله مما جعل البلاد تواجه انتشار الاصابات بعدوى السلاسة البريطانية الجديدة بقرارات لا يمكن الدفاع عنها بالحجة العلمية والطبية بل وتزعزع المنطلق الذي يحرك الحكومة.
فوفق ما تقدمته الحكومة والمتحدثون عنها وباسمها، هي ان تجنبها اخذ قرار الحجر الصحي بحجة عدم قدرة البلاد على تحمل التكلفة الاقتصادية والمالية الباهظة لخيار الغلق الكلي او الجزي وإصابة القطاعات الاقتصادية بشلل تام او نسبي. وطالما ان الوضع تحت السيطرة نسبيا ولم ترتفع الكلفة الصحية والإنسانية لخيار اللاّ حجر صحي. فالحكومة تعتبر ان الذهاب الى الحجر الصحي سيكون بمثابة إغراق البلاد في المجهول.
هذه الحجة التي تقدمها الحكومة لم تعد تجد لها اي مقبولية لدى مختلف الاوساط التي انتقلت من التذمر الى السخط والاحتجاج على التخبط والتعثر الذين يهيمنان على خطة الحكومة في ادارة الازمة الصحية التي لم يعد من الممكن لها اليوم التحجج بأنه وضع «مفاجئ» او امر طارئ لم يسبق التعامل معه. لتبرر التخبط والارتجالية التي قذفت بالبلاد والعباد الى مربعات الخطر.
فحكومة المشيشي وطوال فترت اشرافها على ادارة ملف الجائحة والوضع الصحي كانت تلجأ في كل مرة يشتد فيها خطر الوضع الصحي الى تعديل بعض اجراءاتها القديمة التي اقتصرت في اغلبها على تمديد او تقليص ساعات حظر الجولان ومنع التجمعات الخاصة والعامة.
اي ان الحكومة ظلت وفية لسياستها القائمة على ما تفرضه «الاكراهات» الصحية والاقتصادية والاجتماعية بشكل عام دون تصور كامل ومفصل لكيفية ادارتها للازمة الصحية ورسم خطط تتعاطى مع اختلاف مستويات الوضع الوبائي وليس مسايرة الامر والحث تخفيف الاضرار المباشرة عليها. اي على الحكومة.
ففي مختلف المحطات التي مرت بها البلاد اثناء فترة اجتماع الجائحة وحكومة المشيشي، لم نشهد خطة متكاملة يرتبط فيها الصحي بالاقتصادي والاجتماعي، بل عشنا على وقع قرارات ارتجالية في بدايتها وباتت اليوم قديمة وعاجزة عن مسايرة الوضع الوبائي والاقتصادي للتونسيين. فجل القرارات كانت تريد ان توازن شكلا بين الصحي والاقتصادي فعجزت عن كليهما اذ ان الاجراءات الحكومية المتتالية ظلت وفية لنهج تحميل التكلفة على الفئات الاكثر هشاشة، دون ان ترافق هذه الاجراءات اي قرارات او خطوات ذات طابع اجتماعي يخفف من التداعيات المباشرة لقرار زيادة ساعات الحظر على قطاعات تجارية وخدماتية عدة.
ففي كل مرة تعلن فيها الحكومة عن اجراءاتها الجديدة لمجابة انتشار العدوى تلجأ الى قرارات غلق كلي او جزئي للمطاعم والمقاهي والاسواق الاسبوعية وغيرها من الانشطة الاقتصادية المشابهة او المرتبطة بها.
ورغم تكرّر الامر واستشعار ثقل تكلفته على العاملين في هذه القطاعات والناشطين فيها، لم ترفق الحكومة خياراتها بإجراءات دعم ومساندة للمتضررين وهم هنا بمئات الالاف، من عملة في المقاهى والمطاعم والمحلات التجارية التي ستتاثر بشكل مباشر بقرار غلق البلاد ليلا طوال شهر رمضان.على الرغم من ان المؤسسات المالية الدولية اعلنت في مرات عدة عن استعدادها لدعم سياسات اجتماعية لمجابهة الجائحة.
هذا ما غاب يوم الاربعاء الفارط عن الحكومة التي اكتفت بان تكرر خطابها الذي يلقى بالمسؤولية بأكملها على المواطنين دون ان تتحمل هي جزء منها، فهي وان قررت تعديل وقت حظر الجولان ومنح الولاة صلاحية اعلان غلق او عزل مناطق بأكملها لم تعلن تباعا عن حزمة من الاجراءات الاجتماعية لتخفيف وطأة قراراتها على فئات عدة من التونسيين سيفقدون مواطن شغلهم جراء القرارات. ليجتمع عليهم الوباء والفقر وتخبط الحكومة التي تركتهم يواجهون مصيرهم بمفردهم.
اليوم بات لزاما على حكومة المشيشي ان تعيد حساباتها وان تدرك ان اولويتها الحالية اثقلت كاهل التونسيين وان عليها ان تعيد تشكيلها وان تضع في مقدمتها الدعم والمساندة للمتضررين من هذه الجائحة وان ترافقهم حتى يتجاوزوا هذه المحنة بإجراءات اجتماعية توفر لهم الحد الادنى من مقومات العيش الكريم.
فإما هذا او انها ستقف على حجم الغضب والقنوط اللذين يغذيهما شعور عام لدى جزء من التونسيين ان هذه الحكومة أدارت ظهرها لهم.