أوضاع البلاد عامة وإنقاذها اليوم من الإفلاس والوهن النهائي ..
فأمام الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة تتواصل التصرفات النرجسية والفردانية لأهم مكونات الحكم والطبقة السياسة رغم اقتناع جلّ هؤلاء الفرقاء بعمق الأزمة وخطورتها والصعوبة البالغة لمواجهتها ..
يلوم بعضهم الاتحاد العام التونسي للشغل على تدخله في سياسة البلاد معتبرين ذلك تجاوزا لدوره النقابي الصرف ولكن نحمد الله على وجود هذه المنظمة وبهذه القوة في بلادنا حتى لو لم نكن دوما مقتنعين ببعض مواقفها أو ببعض خطوطها الحمر ..
اليوم يتصرف اتحاد الشغل كقوة وطنية أساسية تسعى جاهدة لإنقاذ الدولة ومن ثمة إنقاذ البلاد ،وهي بصدد الإنفاق من رصيدها الكبير من أجل إقناع الجميع بأن زمن المناكفات والنرجسيات والحسابات الصغيرة قد ولى وانتهى وأننا لم نعد نملك الوقت لاستنزاف ما بقي لنا من جهد في هذا العبث الكارثي ..
يبدو أن بعض مسؤولي الدولة اليوم لا يعلمون أن الدولة كائن حي يحتاج إلى طاقة تغذيه وإلى دماغ يوجه خطاه والى حماية نفسه من المخاطر المحدقة به وأن كل لحظة لا تنفق في سبيل الحياة إنما تنفق – وعينا بهذا أم لم نع – في الدمار والخراب.
تحتاج تونس إلى اقتراض أكثر من 20 مليار دينار هذه السنة، هذا في الحدّ الأدنى، جلّها من الخارج ولكنها تحتاج قبل شيء إلى الشروع الجدي في إصلاح أوضاعها وعقلنة نفقاتها والتركيز الكلي على دعم محركات نموها والمحافظة،قدر الإمكان،على مواطن الشغل والرزق ومساندة مؤسساتها بكل ما تملك وباتفاق وطني واسع حول الأولويات والإصلاحات والإجراءات الضرورية اليوم قبل الغد..وفي المقابل ترفض أهم مكونات السلطة وكذلك أهم مكونات المشهد السياسي الجلوس إلى طاولة واحدة وترفض التغاضي عن الجزئيات مهما كانت أهميتها والتركيز فقط على استعادة الدولة لوحدة قيادتها والتي لا يمكن أن تختزل في شخص أو مؤسسة مهما علا قدرها أو عظمت شرعيتها ومشروعيتها ..
وحدة الدولة تتجاوز الأفراد والأحزاب والتيارات،إنها وحدة مؤسساتها ووحدة حوكمتها وعمل الجميع بأكبر تنسيق وانسجام ممكنين وهذا ما هو غائب بالكلية وهذا ما يسعى اليوم الأمين العام لاتحاد الشغل إلى تلافيه بحرصه على ملاقاة شخصية وصريحة مع ما تعودنا على تسميته في تونس بالرؤساء الثلاثة ..
والواضح أن عوائق وحدة الدولة وانسجامها بالتالي فاعليتها مردها الاعتبارات الشخصية مهما كانت أهميتها واعتقاد البعض انه بالإمكان اليوم ربح معركة كسر العظام مع الخصوم/الأعداء..
المشكلة لا تكمن فقط في الصراع العبثي بين رأسي السلطة التنفيذية بل وكذلك في هذا الصراع المحموم بين أهم مكونات المشهد السياسي والذي يمني فيه كل طرف النفس بالقضاء المبرم على الخصم بدلا من البحث الجدي عن المشتركات الوطنية الدنيا من أجل إنقاذ البلاد..
الكائن الحي، والدولة والمجتمع الشعب والبلاد كائنات حية ولاشك، يسعى دوما لتحقيق أكبر المنافغ بأقل طاقة ممكنة وهو دوما يرجح بين دفع المخاطر الفعلية المحدقة به وبين جلب منافع مفترضة،وهو دوما – مدفوعا بغريزة حبّ البقاء – يتجنب المخاطر قبل البحث عن منافع افتراضية قد تكون في نهاية المطاف وهمية.
اليوم يجد الكائن الحي «تونس» نفسه أمام خطر فعلي : الإفلاس ومزيدا من تفكك الدولة ومن انهيار بديهيات العيش المشترك،ولكن أجهزة الجسم الأساسية لا تشتغل وفق هذا المنطق الفطري الواضح وهي لا تؤمن بأنها تنتمي لجسد واحد ولا تتداعى لبعضها بالسهر والحمّى..
لا نريد أن نكون نذير شؤم: الدولة ليست كائنا سرمديا وهي لا تنهار فقط بحكم عوامل خارجية كحروب الاحتلال مثلا بل كذلك باشتغال معاول التفكك داخلها إلى درجة تدفع بأهم مكوناتها إلى التحالف الأجنبي ضدّ ابن البلد..
لقد أكد نورالدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل أن منظمته غير معنية بالوساطات بين السياسيين، ولكنه اليوم يقوم بمساع جبّارة للتوسط بين أهم مكونات السلطة لإقناعها بدقة الظرف وخطورته وان الحوار بين أبناء البلد هو الطريق الوحيدة السالكة .. نرجو ألا تكون صرخة الأمين صرخة في وادي لا ينتبه أحد إلى صداها.