(التونسيون المقيمون بأوروبا، الفرنكوفيون، الفرنسيون...).بيد أنّ المطلّع على مضمون هذا الحوار تستوقفه مجموعة من المسائل منها: تموقع رئيس الحكومة، وكلّ تموقع مرتبط بامتيازات وسلطة وأهداف... فقد بدا طيلة الحوار في وضع من ينشد ودّ الآخر ويطلب مساعدته فيخاطبه بعبارات تسعى إلى تقديمه في صورة «الصديق» nos amisوmon ami «المتضامن»، «المساند»... ولا غرابة في ذلك ما دام هدف الزيارة طلب الدعم المالي. ولأنّ «المشيشي» لا يتكلّم من موقع الندّ للندّ الذي يسمح لصاحبه بالتفاوض حول مجموعة من الملفات التي يعرف عمقها فإنّه لم يغادر سرديّة «فرنسا بلاد حقوق الإنسان، والحرية والمساواة والكرامة واحترام حقوق المسلمين...».
لم يكلّف رئيس الحكومة نفسه عناء التوقّف عند عبارات لها دلالات هامّة، ولم يعتمد على مجموعة من الحجج التي تثبت سعة اطلاعه على الإشكاليات المطروحة(عـدم المسـاواة الاقتصادية بيـن دول الشـمال ودول الجنـوب، توجـّـه دول الشـمـال نحــو غلــق حدودهــا والذي تسبّب في تزايد نسب «الحراقة»...). فما معنى تكرار عبارة «الهجرة السريّة»، والحال أنّ المصطلح المتداول في الدراسات التي تعنى بالحركات الاجتماعية، والاقتصاد، والاجتماع هو «الهجرة غير النظامية» في إشارة واضحة لمسؤولية أوروبا عن تدهور الأوضاع التنموية بسبب اهتمامها بالجانب الأمني (حراسة البوابة) على حساب التنمية المشتركة والعادلة، ونزوعها نحو فرض خطاب الهيمنة بدل خطاب التعاون والشراكة. فلا عجب والحال هذه أن يخلط «رئيس الحكومة’’بين المهاجرين غير النظاميين والإرهاب مادام هؤلاء يشكلون، في نهاية الأمر،عبئا على فرنسا.
أمّا ملف ترحيل المورطين في الإرهاب، وهم الفئة التي تمثّل خطرا يهدّد فرنسا، فإنّ غاية ما ينشده رئيس الحكومة في هذا المجال، هو «التعامل والتدقيق في مدى خطورة هذه الفئة مع أصدقائنا» «traiter leur dangerosité avec nos amis» وتخليص فرنسا من هذا «الوباء» ولا يهمّ بعد ذلك موقف المجتمع ومدى استعداد تونس ماديا وتشريعيا ولوجستيكيا لوضع سياسات إعادة التأهيل والدمج وتوفير الإطار القادر على مساعدة الإرهابيين على فك الارتباط مع التطرّف في سياق لا تتحمّل فيه البلاد نفقات بعد «فراغ الخزينة» Les caisses sont vides.
وما دامت قضيّة المرأة «الملح الذي لا يغيب عن الطعام» فقد شكّلت محورا آخر للحديث. والملفت للانتباه في إجابة رئيس الحكومة حديثه عن المرأة والنساء ، وهو في ذلك لا يخرج عن الخطاب التقليدي الذي لا يرى أهميّة في استبدال النساء بالمواطنات التونسيات في إشارة دالة على تغيير النظرة والتصوّر. فهل يستقيم الحديث عن الرجال التونسيين في علاقة بالدولة؟
إنّ انتقاء العبارات ليس، في اعتقادنا، اعتباطيا بل إنّه معبّر عن البنية الذهنية وما ترسخ في المخيال من تمثلات، وهو في تواشج مع الثقافة التي يحصّلها الفرد. ولذلك لم نستغرب اكتفاء «المشيشي» بشجب العنف الممارس ضدّ النساء وإشادته بموقف المجتمع المدنيّ الذي أعلن بكلّ حزم أنّ la Tunisie n’accepte pas qu’on touche à la femme، وهكذا تجد التونسيات أنفسهنّ مرّة أخرى، في صلة بتونس/الرمز الأنثوي للوطن- والأمّ التي توفّر الحماية لأبنائها، وخاصة بناتها ولذلك فإنّها وفق رئيس الحكومة، ترفض من «يمسهنّ»... وشتان بين «تونس لا تقبل بالمسّ بالمرأة» و«تونس لا تقبل بالمسّ من حقوق النساء».
وأيّا كان عذر السيّد المشيشي فالفجوة حاصلة بين الخطاب الرسميّ والواقع اليوميّ للتونسيات. فنحن عرضة للّمس والجسّ والشمّ والضرب والمسّ من أعراضنا صباحا مساء. يكفي أن تتنكر في زيّ امرأة (لا تشبّها بها لا سمح الله) بل محاكاة للحكام العادلين فتمتطي وسيلة نقل وتعيش تجربة الكادحات.
فهل تحمينا تونس/الرمز أم الدولة والحكومة بتفعيلها للقوانين ومحاسبتها لكلّ من يتطاول على حقوق الآخرين؟