تساؤل مشروع: تونس دولة أم دويْلات ؟؟

ما كان التساؤل ليطرح هل أن تونس دولة أم دويلات قبل جانفي 2011 لأنه لم يكن يعلو على صوت الدولة – صحة أو خطا –

غير صوت هياكلها الرسمية، ولم يكن يصدر عن هذه الأخيرة غير موقف واحد، بإستثناء ما قد يصدر عن التشكيلات السياسية والنقابية الّتي يكون لها رأي مغاير.
كما لم تكن هناك سلطة غير سلطة الدولة والتي تمارسها عبر مختلف مؤسساتها طبق القوانين المعمول بها والّتي يذعن لها الجميع.
لذلك من البديهي أن يتململ التونسيون عندما يتجاوز البعض السلطة ويتحدّونها أو يصدرون مواقف تسيء للدبلوماسية التونسية أو لسمعتها أو لعلاقاتها مع بقية الدول ، خاصة إذا تعلّق الأمر بجرائم إرهابية انخرطت تونس في مقاومتها .
فالتونسيون لا يعيشون بمعزل عن بقية شعوب العالم الّذي لم تعد تفصل بين مختلف قاراته و دوله المسافات وذلك بفضل وسائل التواصل الحديثة، كما لا يعيشون دون أن يكونوا منخرطين بالضرورة في مختلف الإتفاقيات والمعاهدات الدولية المصادق عليها داخليا من ذلك مقاومة الإرهاب والتصدي له.
لذلك تثير المواقف الأخيرة من الجريمتين الإرهابيتين اللتين استهدفتا الأستاذ الفرنسي ذبحا أو ثلاثة أشخاص بمدينة نيس الفرنسية، المخاوف من إمتداد التفكك في الدولة والمجتمع الّذي عايناه في السنوات العشر المنصرمة.
ولو لا أن رئيس الحكومة السيد هشام المشيشي تدارك أمس السبت 30 أكتوبر 2020 الموقف بخصوص الإرهاب عندما إجتمع بوزراء حكومته للداخلية والخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، والعدل، لكان الموقف من جريمة إغتيال أستاذ التاريخ الفرنسي، خارجا عن الكل السياقات ومخجلا ومسيئا لتونس على كل الأصعدة .
فالجريمة الإرهابية بنيس الّتي ارتكبها تونسي، أدانها رئيس الحكومة «إدانة تامة ومطلقة ووصفها» بالوحشية والجبانة «مؤكّدا» على أنّ تونس والتونسيين الذّين عانوا من ويلات الإرهاب وسالت دماء أبنائهم في مواجهته، هم في مقدّمة شعوب العالم الحرّ لمحاربة كلّ من اختار السقوط في مستنقع الظّلامية».
هذا الموقف الواضح لم نعرف مثيله بخصوص الجريمة الإرهابية الّتي استهدفت أستاذ التاريخ الفرنسي الّتي أشار إليها رئيس الجمهورية في بيانه المتعلّق بالمولد النبوي الشريف، بقوله «إذا كانت الأُمّة اليوم مستهدفة ممن دأبوا على استهدافها، فإنها تتعالى عن كل الاتهامات الكاذبة وتستلهم ردودها من السيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تقبل في المقابل أبدا أن يستهدفه أحد بسوء لأن الله بعثه رسولا للهدى ولإتمام مكارم الأخلاق».
هذا الموقف أعتبر تبريرا لما حصل وتجنبا لإدانة العملية الإرهابية بقطع النظر عن ملابساتها و هو موقف بدا في نفس سياق موقف النائب راشد الخياري الّذي سبق أن كتب في تدوينة على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مفادها أن «الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم هي أعظم الجرائم وعلى من يقدم عليها تحمل تبعاتها ونتائجها دولة كانت أو جماعة أو فرداً».
هذان الموقفان لا ينسجمان مع موقف رئيس الحكومة الاخير الّذي شدّد «على أهميّة تضافر كلّ الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والتوقّي من تداعياتهما الخطيرة على أمن واستقرار الدول والشعوب والتمسك بقيم التسامح والإعتدال والحوار كقيم مشتركة للإنسانية جمعاء». و هو نفس الموقف الّذي تبنته الجمعيات والمنظمات والشخصيات اعضاء الائتلاف المدني من اجل الحريات الفردية، الّتي سجلت أن النائب المذكور يحرض على الإرهاب بتبريره جريمة فرنسا وأنه شوه صورة مواطنيه.
وفي نفس السياق تقريبا كان موقف مفتي الجمهورية الّذي أبرز قيم دين التسامح وإحترام المقدسات ، على خلاف من يسمون بشيوخ الزيتونة الّذين بدوا مبشرين بفتح فرنسا مجدّدا مستلهمين ذلك ممّا حدث منذ حوالي ألف و ثلاثمائة سنة من فتوحات أسلاف طارق بن زياد.
كل ما استعرضناه لا يكفي للتدليل على التفكك الّذي وصلت إليه الدولة بخصوص شأن ما كان يختلف فيه إثنان ، وإنما تتكرر المشاهد والمواقف والسياسات في كل المجالات تقريبا. منها ما حصل ويحصل في المناجم وفي الكامور، حيث تغيب سلطة الدولة وسلطة القانون وتعوّضان بمشيئة و إرادة الأفراد. ومنها ما حصل في الرقاب وفي الرياض المسماة بالقرآنية الّتي يتضاعف عددها يوما بعد يوم، والمدارس والجامعات الخاصة الّتي تطبق برامج خاصة بدعوى أنها مستندة للشريعة ومقاومة للتغريب، وهي حسب ما سبق قد نظّر لها ذات يوم الأستاذ عبدالفاح مورو القيادي السابق في حركة النهضة عندما قال مخاطبا الداعية وجدي غنيم بما معناه أن النهضة تسطر لكسب الأبناء وليس الأباء، و للقارئ أن يتصور ما حازه العديد من أطفال الست سنوات سنة 2011 في تلك المدارس الموجهة دون رقيب، بعد أن تجاوزوا سن المراهقة اليوم ...
كما لا يمكن أن نتجاهل مواقف رئيس مجلس النواب، الّذي لم يتوان عن إتخاذ مواقف أحادية غير منسجمة مع ثوابت السياسة الخارجية لتونس فاتّخذ ما ارتآه دون تشاور، وأنشأ مراكز خاصة به لتوسيع نفوذه تحت يافطة رئاسة مجلس النواب مع مظلة رئاسة حزب حركة النهضة ، مع طموح لرئاسة مطلقة.
فأين الدولة التونسية في كل هذا ؟ وأين وحدتها ؟ وهل هناك شك في إرادة دفينة لقوى الردّة و التحجر في الدّاخل والخارج ، لتفكيكها و جعلها كيانات متنافرة ذات مواقف متضاربة، تطبق عدة سياسات لا خيط رابط بينها غير رقعة الأرض الّتي تجمعها ؟
إن ما تشهده تونس اليوم على الصعيد الإقتصادي والسياسي والإجتاعي نتيجة منهجية تفكيك سلطة الدولة، الّتي أُنهكت مؤسساتها بالصراعات الهامشية وإختلاق الأزمات و تأجيجها، إلى أن وصلت إلى ما نحن فيه ، في إنتظار صحوة المتمسكين بمدنية الدولة ووحدتها والذود عن القيم الجمهورية والديمقراطية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115