المشهدية بأكملها توحي بحداثة الحزب من تقنيات وتقديم وإخراج .. ولكن مايهم التونسيين هو مضمون التصور الاقتصادي والاجتماعي للحزب الثاني / الأول في البلاد خاصة وأنه يتحمل جزءا من أعباء الحكم وأنه ذو تأثير لا يخفى على التوجهات الكبرى للسلطة اليوم.. نجد في هذه اللائحة خمسة محاور أساسية بداية من تقييم الواقع الاقتصادي والاجتماعي الحالي وصولا الى «هندسة الانتقال الاقتصادي» مرورا بالخيارات الاستراتيجية والاولويات التنموية والسياسات الاقتصادية والاجتماعية.. لائحة في ظاهرها جمعت فأوعت..عندما نتمعن في تشخيص حركة النهضة لملامح الوضع الاقتصادي والاجتماعي نجد أفكارا عامة يكاد يجمع حولها كل التونسيين من التحديات الظرفية والهيكلية التي تمر بها البلاد.. وهذا التشخيص في مجمله لا يثير إشكالا خاصا أما باب الخيارات والتوجهات الاستراتيجية فنرى طموحا متدفقا للحركة الاسلامية لأن تتموقع تونس في أفق 2030 في «صدارة الدول الصاعدة إقليميا» والفضل في هذا سيكون لمنوال تنموي إدماجي وإندماجي..
إلى حد هذه الكلمات لا إشكال يذكر سوى واقعية التقديرات ولكن هذا «المنوال» الذي سيجعلنا في «صدارة الدول الصاعدة إقليميا» يجب أن يراعي «الثوابت الوطنية والخصوصيات الحضارية» وهنا نصل إلى بيت القصيد.. فهذه اللائحة في مجملها «كلام جميل وكلام معقول» ولكنها محشوة كل ما أمكن ذلك بالخصوصيات الحضارية كما تتصورها حركة النهضة.. وقبل تفصيل هذه الفكرة وترصد تمظهراتها في هذه اللائحة نشير إلى الاختيار الاقتصادي والاجتماعي لحركة النهضة فهي تصرح بتبنيها لاقتصاد السوق الاجتماعي من جهة والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى.. وتؤمن الحركة أيضا بالدور الاستراتيجي للدولة في التنمية.. إذن فنحن أمام اقتصاد سوق له بعد اجتماعي ويضمن العدالة الاجتماعية مع دور استراتيجي للدولة في التنمية.. وذلك كله في فقرة واحدة يجد فيها المرء ما يشاء وهي تسعد الليبيرالي في أشياء والاشتراكي في أشياء أخرى دون أن.....