لقد شاهدنا في انتخابات أكتوبر 2011 انقلابا أول في التوازنات السياسية التي بدت لنا مباشرة بعد الثورة عندما كانت الأحزاب الديمقراطية المعارضة لبن علي تسيطر نسبيا على الساحة فجاءت الانتخابات الأولى لتقول بأن وزنها ضعيف للغاية وأن الحركة الاسلامية هي القوة الأساسية وإن لم تمثل حينها إلا 37 ٪ من أصوات الناخبين... ولكن عندما لا يتجاوز أي حزب آخر عتبة الـ 10 ٪ نكون عندها ضرورة أمام واحدية قطبية خطرة على مسار الانتقال الديمقراطي... ثم حصل تعديل واضح وقوي للساحة السياسية منذ سنة 2013 بالصعود اللافت لحزب نداء تونس ثم بانتصاره في خريف 2014 في التشريعية ثم الرئاسية... وفي تلك الانتخابات انهارت أحزاب كان لديها تاريخ نضالي محترم وصعدت أخرى كالجبهة الشعبية والاتحاد الوطني الحر وآفاق ولكن التوازن العام كان قائما بين قطبين كبيرين الحركة الاسلامية من جهة ونداء تونس الذي كان يتشكل من «روافد» عدّة وحّدها الهدف الانتخابي ومزقت أوصالها تجربة الحكم....
اليوم لا أحد بامكانه أن يقول إلى أين وإلى أي حدّ سيتشظّى الحزب الأول في البلاد وما هي نسب النجاح لما يخططه البعض له من تحويله من حزب جامع لروافد شتى خلقت فرادته وجاذبيته إلى جهاز تهيمن عليه الآلة القديمة وإن كان ذلك بنسب ومقادير... ولكن الواضح والجلي أننا لم نعد في وضعية 2014 ولا يبدو أن نداء تونس في مآلاته القادمة قادر على المحافظة على النصيب الأبرز من شعبيته - على الأقل على مستوى النخب - إلا إذا ما تمكن من الاستحواذ النهائي على كل مدّخرات التصويت الدستوري والتجمعي...
ولكن الوهن الحالي للحزب الأول سوف يضعف من قدرة ما بقي من قياداته على حسن التفاوض مع هذه القوة الهلامية، الآلة التجمعية، المتربصة به حسب ما يبدو...
هنالك نظرية تدافع عنها أطراف داخل نداء تونس وخارجه بأن الآلة التجمعية التي صوّتت للباجي قائد السبسي لن تصوت مستقبلا ....