بدأت بالتضخم وتتواصل بالتجارة الخارجية وتنتهي بنسب البطالة والنمو: عشرة أيام ستكشف الوضعية الأولية لاقتصاد البلاد

انطلاقا من يوم أمس وإلى حدود منتصف شهر ماي الجاري يصدر المعهد الوطني للاحصاء أربعة بيانات هامة للغاية تتعلق بمؤشر أسعار الاستهلاك العائلي

(التضخم) والتجارة الخارجية لشهر أفريل 2020 ونسبتي النمو والبطالة للثلاثي الأول من هذه السنة. وبهذه المؤشرات الأربعة ستكون لدينا فكرة واضحة على بداية التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لهذه الأزمة غير المسبوقة دوليا وتونسيا كذلك.

صحيح أن المؤشر الأهم، نسبة النمو، وما يرافقه من مؤشر نسبة البطالة لا يتعلقان إلا بالثلاثي الأول لهذه السنة أي تقريبا مرحلة ما قبل الانطلاق الفعلي لأزمة الكورونا ولكن نعلم جيدا أنه ومنذ أواسط شهر فيفري بدأت تظهر الانعكاسات الأولى لهذه الأزمة وبدأت قطاعات تتضرر من تداعياتها بصفة جدية كوكالات الأسفار والمواد البحرية المخصصة للتصدير وبعض الصناعات المعملية أيضا نظرا للصعوبات التي بدأت تظهر عند حرفائها الأوروبيين خاصة.

ونذكر هنا أن رئيس الحكومة الياس الفخفاح كان قد أكد لجريدة «المغرب» في أول خروج إعلامي له يوم الأحد 8 مارس أن الانعكاسات الأولية لجائحة الكورونا تقدر بحوالي نصف نقطة نمو وأن حكومته، ومنذ استلامها لمهامها، قد راجعت نسبة النمو مرتين: الأولى من 2،7 ٪ المفترضة في قانون المالية لسنة 2020 إلى 1،5 ٪ بعد التدقيقات الأولى والثانية من 1،5 ٪ إلى 1 ٪ باعتبار الآثار المنتظرة، آنذاك، من جائحة مازالت لم تظهر حينها بالشكل الذي نعرفه عنها اليوم.

إذن يمكننا القول بأن شهر مارس بكامله قد تضرر من أزمة الكورونا وإن كان بنسب مختلفة من قطاع إلى آخر فالمعلوم أن الفاعل الاقتصادي يستبق الأحداث وبالتالي بدأ الانكماش في أذهان المستثمرين وأرباب العمل قبل ظهور الحالة الأولى في تونس في 2 مارس وقبل إعلان الحجر الصحي الشامل يوم 20 من نفس الشهر، وبالتالي فقراءة الرقم الذي سيُعلن عنه معهد الاحصاء بعد حوالي الأسبوع ينبغي أن يأخذ بالاعتبار الدخول التدريجي في الأزمة وتداعياتها منذ النصف الثاني لهذا الثلاثي الأول وعليه فلو كانت نسبة النمو ايجابية حتى بـ 0،1 ٪ فهذا يعني أننا صمدنا بصفة مرضية، أما لو كانت سلبية ولكن بصفة معتدلة (أي أقل من نقطة نمو سلبية) فهذا قد يجعلنا في تناغم مع تقديرات صندوق النقد الدولي الذي يتوقع نسبة نمو سلبية بـ 4،3 ٪ على امتداد كامل السنة.. ولكن لو تجاوز انكماش الاقتصاد التونسي النقطتين خلال هذا الثلاثي الأول فذاك مؤشر على تراجع أهم بكثير مما توقعه صندوق النقد الدولي لنا.

ما قلناه على نسبة النمو ينطبق على نسبة البطالة التي تتناول بدورها الثلاثي الأول لهذه السنة فقط، ولكن سيكون هنالك فاصل زمني بين تراجع النمو وتفاقم البطالة وعليه لا نتوقع أن نري أثرا واضحا لأزمة الكورونا على أرقام البطالة للثلاثي الأول على عكس ما سيحصل في بقية ثلاثيات السنة اذ يخشى جلّ الخبراء أن تتجاوز نسبة البطالة في بلادنا 20 ٪ من السكان النشيطين بعد أن استقرت لعدة سنوات ما بين 15 ٪ و 15،5 ٪ وهذا يعني، لو حصل، أن أكثر من مائتي ألف شخص سينضافون إلي العاطلين عن العمل في بلادنا.

بعد أيام قليلة سيصدر المعهد الوطني للاحصاء أرقام التجارة الخارجية لشهر أفريل 2020، وهنا ستكون لدينا نظرة أكثر دقة لتأثير الوباء على أهم رافعة للنمو في بلادنا وهو التصدير.
لقد تراجعت تجارتنا الخارجية بقوة خلال شهر مارس الماضي بـ 29،5 ٪ لصادراتنا و29،2 ٪ لوارداتنا، وهو تراجع غير مسبوق تونسيا، والراجح أن شهر أفريل سيزيد في تعميق هذا التراجع بصفة هامة.

وعندما نعلم أن منتوجاتنا من الصناعات المعملية تمثل حوالي 90 ٪ من جملة صادراتنا ندرك الأثر الكبير لهذا التراجع على نسيجنا الصناعي الذي يشغل حوالي ستمائة ألف شخص وأن التراجع الهام للتصدير هو المقدمة الأساسية للانكماش الاقتصادي ولتفاقم البطالة أيضا.
تركنا في الأخير مؤشر التضخم الذي صدر يوم أمس والذي نجد فيه ارتفاعا عاما طفيفا للمرة الثانية على التوالي بعد أن نزل معدل التضخم إلى دون 6 ٪ في فيفري الماضي (5،8 ٪) وهي أدنى نسبة تضخم منذ أكثر من سنتين ولكن صعدنا إلى 6،2 ٪ في مارس ثم إلى 6،3 ٪ في أفريل.

والاشكال الأكبر هنا، لو تواصل هذا النسق التضخمي، هو في صعوبة مقاومته لأن البنك المركزي، المسؤول قانونا على التحكم في التضخم، يمكلك عصا غليظة لا نعتقد أنه سيجازف بها مجددا في ظل هذه الأزمة الخانقة وهي الترفيع في نسبة الفائدة المديرية لأن هذا يعني بوضوح مزيد خنق المؤسسة الاقتصادية وجزءا هاما كم المواطنين المتخلدة بذمتهم ديون مع البنوك..

ولكن لا يمكن للبنك المركزي أن ينظر إلى دوامة تضخمية دون رد الفعل فذلك مخالف للدور الذي أوكله له القانون وعليه فمعالجة غير مالية للتضخم مسألة أساسية لأن اللجوء إلى رفع اضافي في نسبة الفائدة المديرية سيزيد في تأزيم الأوضاع ويرفع من مستوى الغضب الاجتماعي.
في المحصلة سنكون خلال هذه الأيام القليلة أمام الصورة الأولية المرقمة للأوضاع الاقتصادية، ومن ثمة الاجتماعية، لبواكير «تسونامي الكورونا»، أما الموجة الأولى الجدية فستكون بلا شك مع أرقام الثلاثي الثاني التي ستصدر في أواسط أوت القادم..

وفي الأثناء، وكما يؤكد على ذلك الصديق حكيم بن حمودة، وزير المالية السابق والكاتب وصاحب العمود المعروف في جريدة «المغرب»، أنه على السلط العمومية أن يكون لها برنامج انقاذي واضح يمتد على كامل هذه السنة ولا أن تكتفي باجراءات ظرفية وكأن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ستنتفي بعد نهاية فترة الحجر الصحي الموجه.. اذ الأمور على العكس من ذلك تماما.. فقد تنتهي الأزمة الصحية بعد أسابيع أو أشهر قليلة ولكن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ستبدأ ذروتها في الأسابيع والأشهر القادمة وإن لم نحسن الاستعداد لها فقد تحملنا موجتها العاتية إلى مناطق لا يتمناها أحد.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115