هل سيقع تمديد ثالث بأسبوعين آخرين أم سنبدأ بالخروج التدريجي من هذا الحجر الصحي الشامل انطلاقا من يوم الاحد 19 افريل الجاري؟
تكمُن العناصر الأولية للإجابة عن هذا السؤال في التقييم العلمي لآثار هذه الأسابيع الثلاثة من الحجر الصحي الشامل على تطور الحالة الوبائية في البلاد أولا وعلى اتجاهات تطوراتها المستقبلية ثانيا.
المرجح لدينا انّ المعطيات التي ستكون أمام رئيس الحكومة وتباعا امام مجلس الأمن القومي ستكون قابلة لقرارات مختلفة وخاصّة فيما يتعلّق بتأثير الحجر الصحي على تطوّر نسب العدوى.
يُلاحظ الجميع أنّ عدد الإصابات اليوميّة المؤكّدة بفيروس كورونا المستجدّ قد تراجع في الكمّ وفي النسبة منذ ستّة أيام بما أحدث منعطفا واضحا في الرسم البياني لتطوّر العدوى وهو ما قد يوحي بأنّ القرارات التي أخذتها الحكومة من غلق الحدود وإعلان الحجر الصحي الشامل قد بدأت تأتي أكلها.
ولكن في ذات الوقت، يُحذّر كلّ المسؤولين في القطاع وعلى رأسهم وزير الصحّة بأنّ الوضعيّة خطيرة وأنّ عدم الإحترام الكلّي للحجر الصحي الشامل ستكون له عاقبة وخيمة في الأيام القليلة القادمة وإننا إزاء حالات من العدوى المحلّية مجهولة المصدر نتيجة عدم تعاون المصابين بالكورونا مع السلط الطبيّة.
وما قد يدفع نحو المزيد من الحذر، هو التزايد المطرد لعدد المرضى الذين يتمّ علاجهم في الوحدات الإستشفائيّة: من 30 يوم غرّة أفريل إلى 83 يوم 8 أفريل وهذا العدد مرشّح للإرتفاع في الأيام القليلة القادمة بما يجعل من كلّ سياسة قد تتسبب في انتشار أسرع للعدوى مخاطرة بصحّة التونسيّين فقط ليس إلا.
ولكن المعطيات الصحيّة _على أهمّيتها البالغة_ لن تكون العنصر الأوحد في أخذ قرار التمديد الثالث للحجر الصحي من عدمه، فهناك أيضا المعطيات الأمنية والإجتماعيّة خاصّة وكلّها تؤكّد بأنّ احترام الحجر الشامل ليس بالمستوى المطلوب في مناطق عدّة من البلاد وأنّ هناك مخاوف جدّية من احتجاجات قويّة ضدّه خاصّة بالنظر لما يُصاحبه حتما من تراجع كبير للنشاط الإقتصادي ولمصادر الرّزق في المناطق الشعبيّة. وعليه فإنّ مواصلة الحجر الصحي تقتضي سياسات للمرافقة الإجتماعيّة أكثر فاعليا وتنظيما من تلك التي حصلت في الأيام الماضية.
ثمّ إنّ الخروج التدريجي من الحجر الصحي _مهما كان محدودا_ يفترض استعدادات ضخمة لتوفير كلّ مستلزمات الوقاية والتعقيم ومراقبة حسن احترام الجميع لهذه القرارات.
خلاصة القول ستجد السلط العموميّة نفسها مضطرّة إلى تمديد ثالث مع إحكام أفضل لتنزيل هذه القرارات ميدانيا ولكن عليها في ذات الوقت أن تُعلن عن مسألتيْن أساسيتيْن:
- أشكال المتابعة الصحية والأمنية والإجتماعية والإقتصادية لقرار التمديد الثالث.
- الإتجاهات العامة لبداية الخروج التدريجي من الحجر.
إنّ الخطر كلّ الخطر يكمن في اتخاذ قرارات لا تُحترم أو يتمّ إفراغها عمليا من مضمونها فنكون أمام ''حجر'' في الطرق السيارة لا غير أو في بعض الإدارات والمؤسّسات الإقتصاديّة ولكن يغيب هذا الحجر مطلقا في الأحياء والشوارع والمنازل خاصّة ونحن مقدمون على شهر رمضان بعد أسبوعيْن.
تحتاج البلاد إلى خروج إعلامي جديد لرئيس الحكومة حتى نعلم جميعا ما هي طُرق المقاومة والمسايرة والإستباق التي تقترحها الحكومة وحتى يكون استعدادنا الجماعي أفضل لأسابيع الأشهر القادمة.
ينبغي أن نقتنع جميعا أنّ العودة إلى «الحياة الطبيعيّة» أي حياة ما قبل الكورونا لن تكون ممكنة خلال كامل سنة 2020، وأنّ الحياة ''الطبيعيّة'' بعدها ستكون مغايرة في جوانب منها لما ألفناه إلى حدّ اليوم. وإنّ هذه الجائحة العالميّة ستتسبب في آثار إجتماعيّة واقتصاديّة ضارّة للغاية بل وقد يكون ضررها في حالات معيّنة أكثر من الفوائد التي نريد تحقيقها ولكن المستقبل سيكون حتما لكلّ من استطاع استخلاص الدروس قبل غيره وحوّل هذه الآثار السلبيّة إلى فرص جديدة لتقدّم إنساني مختلف.