وعليه لم تخرج بلادنا من منطقة الخطر بل لعل القادم بالنسبة لنا هو الأصعب...
ما معنى ذروة الفيروس؟ هنالك طرق عديدة لاحتسابها لعل اهمها يتعلق بعدد المصابين في لحظة ما بالأعراض الثقيلة للمرض والذين يخضعون للعناية المركزة داخل المستشفيات والوحدات الاستشفائية العامة والخاصة المهيأة للغرض، اي في نهاية الامر عدد أسرة الانعاش المستعملة فعليا ويوميا لمداواة المرضى المحتاجين للعناية المركزة.
ولكن الملاحظ ان هذا الرقم الهام لا يقع تقديمه للتونسيين ضمن البيان اليومي لوزارة الصحة الذي لا يحتوى الاّ على العددين اليومي والاجمالي للمصابين بالفيروس وللمتوفيين كذلك مع توزع هذين العددين على مختلف ولايات البلاد.
ثم نحن لا نعلم تحديدا العدد الفعلي لمن شفي تماما من الفيروس اذ لا يقبع جل هؤلاء المصابين المحصيين ضمن الاصابات المؤكدة بالمستشفيات ، ولا نعلم هل تمّ او سيتم اخضاعهم الى كشوفات جديدة لنتأكد من سلامتهم التامة ام لا...
كل هذا لنقول بان الارقام التي توفرها وزارة الصحة بصفة يومية لا تسمح لنا بتحديد دقيق لفترة الذروة، اي تلك الفترة التي تتعادل فيها الاصابات الجديدة مع حالات الشفاء التام او الحالات المستوجبة للعناية الصحية المركزة مع تلك التي غادرتها.
وهذا يعنى اننا نحتاج الى منظومة احصائية ادق حتى نتمكن من اثبات او نفي حالة الذروة الوبائية في بلادنا وتوفير هذه المعطيات للعموم مفيد جدا لمنظومتنا الصحية لأنها تسهم في الاعداد البيداغوجي لكل المواطنين حتى نكون قادرين على السيطرة على كل استتباعات مرحلة الذروة. وحتى نحسن الاستعداد خاصة للفترة او الفترات التي ستليها.
في الاثناء لسنا ندرى كيف سيقيم المختصون مدى احترام التونسيين لفترة الحجر الصحي الشامل او بصفة ادق ماهي نسبة هذا الاحترام وتبعا لذلك كيف اثرت وستؤثر على تطور الحالة الوبائية في بلادنا ، كما لا نعلم ايضا مستوى التمدد الوبائي الصامت اي الانتشار الحقيقي للإصابة بالفيروس حتى عند الاشخاص الذين لم يشعروا باي عرض من اعراضه..بعض
الفرضيات العلمية المخبرية تقول ان نسبة المصابين فعلا هي في حدود مائة ضعف الحالات المؤكدة، اي اقد يكون لدينا حوالي 60.000 شخص قد تعرض للعدوى ومن ثمة قد طورت غالبيتهم الساحقة مناعة (اولية او نهائية ضدّه لا ندري)، اي اننا في حدود 0.5 % من مجموع التونسيين ، ولكن نحن ازاء فرضية قامت على ملاحظة تجارب بعض الدول ولاشيء يؤكد حجمها في بلادنا فقد نكون اقل من ذلك او اكثر منه كثيرا والمسألة هنا مهمة جدا لأنها ستؤثر حتما على فترة ما بعد الذروة وستجعلنا في وضعية اكثر هشاشة ازاء العدوى الجديدة من دول كإطاليا او فرنسا او اسبانيا حيث تمدد الفيروس في نسب عالية من السكان (ما بين %10 و20 % الى حد الآن) بما يعطى لهذه الشعوب نوعا من المناعة الاضافية في فترة الخروج التدريجي من الحجر الصحي.
لكن هذا نؤكد من جديد على الضرورة القصوى للقيام بتحاليل مخبرية واسعة على عينة ممثلة -الى حد ما – للتونسيين لكي نعلم ماهي حقيقة الانتشار «الصامت» للكورونا في بلادنا فدون ذلك يصبح الحديث عن استراتيجيات ما بعد الحجر الصحي الشامل مسألة غير دقيقة بالمرة بل وقد تحمل مخاوف اضافية قوية من ارتدادات ضخمة للعدوى لو تم التخفيف من اجراءات الحجر الصحي الشامل.
لقد وعد رئيس الحكومة بالقيام بدراسة الحالة الوبائية للبلاد بالاعتماد على عينة تقدر بحوالي 20.000 شخص لكن يبدو ان صعوبات الحصول على التحاليل السريعة الى حد اليوم قد حال دون ذلك.
ان المنطق يفرض علينا اليوم ان نقول ان الجهود المضنية التي تبذلها اليوم كل منظومتنا الصحية، وكل الجهد الذي تبذله الهيئة العلمية القارة في وزارة الصحة مهم للغاية وأساسي للعلاج والتقضي والوقايةولكننا مازلنا لا نملك الصورة الدقيقة حول الانتشار الفعلي للعدوى ولا ايضا حول احترام كل الشرائح المعنية بالبروتوكول الصحي الضروري سواء تعلق الامر بعامة المواطنين او بمن وضعوا تحت الحجر الصحي الذاتي او الاجباري او من تأكدت لديهم الاصابة بالفيروس. كل هذه المجاهيل (les inconnues) تقلص حتما من قدرة التوقع وبالتالي من قدرة الاستباق.
فكما يقول الفيلسوف الفرنسي الشهير روني ديكارت « من المعرفة الى الوجود النتيجة طيبة» (du connaitre à l’être la conséquence est bonne) ونحن اليوم تنقصنا عناصر مهمة في هذه المعرفة.