نظرا لتواصل انتشار عدوى فيروس الكورونا المستجد بنسق تصاعدي ولأن نتائج الحجر الصحي لن تظهر قبل أواسط أفريل القادم في أحسن الأحوال.
لا يناقش عاقل واحد في ضرورة الحجر الصحي الشامل والصارم وأن البشرية اليوم لا تملك حلا آخر في انتظار وجود اللقاح والدواء الملائمين ، ولكن بدأت في بلادنا تبرز الصعوبات المرافقة لهذا القرار الضروري، صعوبات لا بدّ من معالجتها منذ الآن لو رمنا مواصلة سياسة الحجر الصحي العام والتعويل على فوائدها المنتظرة والتقليص، ما أمكن، من اعراضها الجانبية.
الصعوبة الأولى التي ظهرت منذ اليوم الأول للحجر الصحي تتعلق بمدى القدرة على فرضه في الأحياء الشعبية لكبريات المدن التونسية حيث لا تتوفر جلّ العائلات على الظروف المادية الملائمة لحياة كافة أفرادها داخل البيت وحيث تعوّد الشباب والأباء على الحياة خارجه طيلة أغلب ردهات النهار وجزء غير يسير من الليل.
«شد دارك» شعار جميل لمن يستطيع تطبيقه ولكن ماذا بالنسبة لمئات الآلاف من شبابنا ومواطنينا الذين يعتبرون أنه ليس بإمكانهم «التنفس» خلف جدران البيت وحيث يمثل «شلة» الحي الجزء الأكبر والأهم من الحياة العائلية؟!.
الصعوبة الثانية تهم مئات الآلاف من المواطنين والمواطنات من أصحاب المهن العرضية والمضطرين دوما للبحث عن قوتهم اليومي في أماكن بعيدة نسبيا عن مقر سكناهم، دون أن يكونوا أجراء بالمعنى الكلاسيكي للكلمة.. كيف سيصمد هؤلاء أمام إجراءات الحجر الصحي وما يرافقها من حدّ جدي لحركة الأشخاص؟ إن الاحتجاجات التي نراها اليوم في بعض الأحياء الشعبية ستتعاظم خاصة عندما سيتم الإعلان عن أسبوعين اضافيين للحجر.
إن قرار الحكومة بتمكين العائلات محدودة الدخل من اعانة استثنائية هام ولا شك ولكنه لا يفي مطلقا بالحد الأدنى من ضروريات الحياة خاصة إذا ما انعدمت سبل الرزق العادية لهذه الشريحة من المواطنين.
الصعوبة الثالثة تهم كل العاملين في القطاعات الاقتصادية التي تشكو من صعوبات مالية هامة في الأوضاع العادية، فما بالك اليوم وقد توقفت عجلة الحياة الاقتصادية أو تكاد!! وعدد هؤلاء المواطنين يحسب أيضا بمآت الآلاف وهم ، تقنيا، ليسوا من محدودي الدخل ولكن تواصل الحجر الصحي العام لأسابيع قادمة سيهدد هذا النسيج الاقتصادي في وجوده.
لعله من السابق لأوانه القول بأن السنة الدراسية والجامعية مهددة ولكن الواضح أن بلادنا قد تضطر للتمديد في فترة الحجر الصحي الى ما بعد شهر أفريل وهنا لابدّ من التفكير في آليات معقولة ومتاحة للجميع للتعويض، ولو النسبي، عمّا فات... لاشك أن صحة بناتنا وأبائنا والاطار المدرسي والإداري أهم من سنة مدرسية وجامعية، ولكن ينبغى ان نفكر مليا في ملايين التلاميذ وعائلاتهم وعن الاثار النفسية والاجتماعية الكارثية عن سنة بيضاء جماعية أو امتحانات لا تراعي المساواة الفعلية في الحظوظ بين الجميع.
الصعوبة الخامسة تتمثل في شبح توسع العنف العائلي الذي يستهدف النساء أساسا وكذلك الأطفال، وتفيد الأرقام الأولية أن الحالات التي بلغت لمصالح وزارة المرأة والاسرة وكبار السن قد تضاعفت خمس مرات، ونحن نتحدث هنا عن حالات التبليغ فقط، فما بالك بذلك العنف الذي لا تبلغ صراخاته واناته أذان المسؤولين!!، ومع تواصل فترة الحجر الصحي الشامل قد تتحول بيوت عديدة الى بؤر عنف بل وتعذيب مادي ومعنوي لمآت الالاف من النساء والاطفال.
نعيد ونكرر أنه لا حل بديل عن الحجر الصحي الشامل والصارم ولكن دون التوقي منذ الآن وبأقصى جهد من هذه الآثار الجانبية الكارثية قد تكون الأضرار أكبر بكثير من المنافع المرجوة، بعض هذه الأعراض تحتاج فقط إلى ضخ أموال اضافية شريطة أن نتمكن من حشدها اليوم، ولكن البعض الأخر يستوجب يقظة مواطنية شاملة ولدور أكبر وأهم لوسائل الإعلام الجماهرية ولمرافقة المتضررين نفسيا أو اجتماعيا او مهنيا من عوارض هذا الحجر.
فعلا مقاومة انتشار وباء الكورونا ليست فقط صحية او مالية.