العدوّ المشترك

كيف يمكن لنا أن نتحدّث عن «حكومة جديدة» تبعث الأمل في نفوس التونسيين والتونسيات وتؤسس لإدارة مختلفة للقضايا الشائكة

التي تهدّد مسار التحوّل والخلاف قائم بين السياسيين حول الاصطلاحات: حكومة الرئيس، حكومة الشعب، حكومة الوحدة الوطنيّة...؟ ثمّ ما هي أولويات الفاعلين السياسيين: مناقشة النعوت وأسس البلاغة أم مضمون البرنامج الّذي يعرضه المكلّف بتشكيل الحكومة؟
وليس ترتيب الأولويات، في نظرنا، إلاّ حجّة على عدم خروج القيادات السياسية من نسق كلاسيكيّ في التفكير يولي أهميّة للشكل، ويهدر الوقت في اختيار النعوت على حساب مناقشة المضمون وما يُعرض من مقترحات؟
كيف يمكن للأحزاب أن تدعو إلى تأسيس حكومة «وفاق وطني» والعدوّ ليس مشتركا؟ فمن الأحزاب من تعتبر الإرهاب العدوّ الرئيس، ومن النوّاب من يرى أنّ على الحكومة أن تشنّ الحرب على مظاهر الكفر والانحلال الأخلاقي، ومن الكتل الحزبية من تذهب إلى أنّ البطالة هي العدوّ الأساسيّ...؟
كيف يمكن للقيادات السياسية أن تقترح «حكومة إنقاذ» ونحن نختلف حول هويّة المسؤول عن الدمار، ولم نقدّر حجم الخراب، ولم نحاسب بعدُ من عبث بمؤسسات الدولة وخرّب البُنيان، بل إنّنا لا نملك وسائل الإنقاذ؟
كيف يمكن لنا أن نطالب بإنشاء «حكومة وحدة وطنيّة» وولاءات البعض عابرة للقوميات؟ فمن نوّاب الشعب والممثّلين للأحزاب الإسلاميّة المرجعيّة من يرفع «شعار رابعة»، ومن المسؤولين من يؤدي زيارة للسلطان التركي ....؟

وهل يمكن أن نتخطّى الأزمات ونسرّع في وتيرة مناقشة القوانين المعروضة على مجلس الشعب، ونعوّل على حسن أداء النوّاب والحال أنّ ثقافة البعض محدودة جدّا ،وهمّ أغلبهم تصفية الحسابات والخلافات وتحقيق المكاسب والمصالح ؟
وعندما يعيش مجلس الشعب على وقع «الحروب الداخلية» (الدساترة ضدّ النهضة، أصحاب رؤوس الأموال والمصالح الخاصّة ضدّ المطالبين بالعدالة الاجتماعية، الجهويات، الطبقات، الأجيال....) ويصبح منتجا لخطابات الكره والتكفير والنبذ وكلّ أشكال العنف فلا تستغرب ارتفاع منسوب العنف في المجتمع، ولا تتعجبنّ من استشراء ظاهرة الهجرة وشيوع مشاعر الإحباط .
وطالما أنّنا لم نتفق حول العدوّ المشترك: الفساد، الجهل، الفقر، البطالة، التلوّث البيئي، انهيار القيم ، الرياء، الهشاشة،...فإنّنا سنعيش على وقع ما سينتجه الأخوة الأعداء من استراتيجيات لإبادة الآخر، وعلى المؤامرات التي تصدرها 'النيران الصديقة' وسنواصل اجترار المشاكل المتراكمة منذ سنوات، وإعادة إنتاج الصراعات الهووية، وغيرها.
وطالما أنّ الفاعلين السياسيين، والّذين قذفت بهم الأقدار إلى عالم السياسة لا يدركون مدى تعقّد الواقع ، ويجهلون الرهانات الأساسيّة، ويعجزون عن ترتيب الأولويات فإنّ الحكومة القادمة لن يكون بإمكانها إلاّ التعايش مع «الموجود» ومحاولة الصمود أمام أنصار السير عكس التيّار الإصلاحي لأنّها ببساطة لا تملك استراتيجيات المقاومة.
وطالما أنّ السياسيين لم يعتبروا من أخطاء ارتكبت في الماضي ولم يغيّروا اتجاه البوصلة ولم يستأنسوا بتجارب الأمم، ولم يفارقوا طرق التفكير القديمة فإنّ قدر تونس أن تكون مختبرا يتعلّم فيه الفاعلون أصول القيادة وطرق بناء الزعامة ، ولكنّها تظلّ تجارب فاشلة مادامت الهمّة قد تعلّقت بتحقيق المصالح الذاتية، وقصرت عن ترسيخ دروس في الإيثار وحبّ الوطنّ.
لا تهمّ النعوت التي يطلقها البعض على هذه الحكومة التي لاتزال في طور الجنين الّذي يحتاج إلى غذاء ورعاية حتى ينمو الأهمّ من كلّ ذلك الوعي بأنّ السياق لم يعد سياق التدرّب على إدارة الأزمات: إنّه سياق يؤذن بقدوم الأسوأ.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115