ولكن الأهم في كامل هذا الموسم الانتخابي هو استعادة أجزاء هامة من التونسيين، وخاصة الشباب منهم للثقة في بلادهم وفي إمكانية تحويلها وتغييرها والتقدم بها.
لاشك أن هنالك من التونسيين من ادلهمت الغيوم أمامهم ومن يرون في أغلبيات الحكم اليوم خطرا على البلاد وعلى مستقبل أجيالها القادمة..
عودة الأمل عند البعض واستفحال الخوف عند الآخرين مشاعر طبيعية يخطئ من لا يعيرها اهتماما في إدارة الشأن العام، إذ الأساسي لدى كل شعب ليس هو الواقع المادي الجامد الذي ترويه المعطيات الكمية للاقتصاد بل العلاقة مع هذا الواقع والعلاقة بأبناء الوطن والإيمان – من عدمه – بالقدرة على الفعل وبأن الأفضل آت أو أن الأسوأ هو مآلنا المحتوم.
لا يهم كثيرا - اليوم - من صوت لقيس سعيد أو صوت لمنافسه أو لم يصوت لأحد، المهم هو أن نجعل من موجة الأمل النسبية التي هبت على البلاد فرصة جديدة للبناء الوطني .
عودة الأمل ،على نسبيتها،لا ينبغي أن تكون حالة نفسية عرضية كما لا ينبغي أن يدعي جزء من التونسيين احتكارها لأنفسهم ،بل ان يعتبرها الجميع معطى نفسيا جديدا يمكن التأسيس عليه، فالثقة هي العنصر الأساسي في كل عملية بناء ونهوض لأمة من الأمم،فالثقة هي ركيزة الاستثمار وهي رهان على المستقبل شريطة ألا تزيّن بطلاء إيديولوجي وألا تخرج من منظومة عقلانية قائمة على الاستفادة المنظمة من الفرص والإمكانيات ..
التحدي الأول لكي نؤسس على هذه الثقة يكمن في «تأميمها» اي تحويلها من أداة إيديولوجية عند جزء من التونسيين الى ملك عام ومشاع بينهم بداية ثم ندعو ثانية كل مواطناتنا ومواطنينا إلى الاستثمار في المستقبل والى العمل الجاد والدؤوب لنحول الثقة إلى انجازات ملموسة وإلى تقدم ولو بطيء في تحسين القدرات الاقتصادية للبلاد عبر تنقية مناخ الأعمال والترفيع من الإنتاج وإنتاجية العوامل من رأس مال وتجديد وابتكار وعمل ولوجستيك .
لو أحسنا استعمال عنصر الثقة لتمكنا من حل أزمات عالقة من الثورة إلى الآن كمعضلة الحوض المنجمي وإنتاج الفسفاط وكذلك الاستكشاف والإنتاج في مجال المحروقات ..
الخطر الكبير هو أن تتحول الثقة إلى طوبا (Utopie) تدفع إلى التناحر وتؤسس لوعي ريعي سحري مفاده أن الأموال موجودة وان طرد الفاسدين من الحكم سيعطينا مباشرة ودون أي مجهود عوائد هذه «الثروات المنهوبة» هنا ستؤسس الثقة للكسل الجماعي ولوهم ريعي سحري بينما المطلوب منها التأسيس للجهد وللعمل وللتخطيط العقلاني للاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية والتوظيف الأمثل للطاقات البشرية قصد خلق ثروة فعلية يتم توزيعها باعدل صورة ممكنة بين كل المساهمين في إنتاجها ..
«حالة الوعي» التي يتكلم عنها الشباب اليوم ينبغي أن تتحول إلى وعي عقلاني بحقيقة أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية وبأننا دولة فقيرة لا أمل لنا للنهوض إلا بالعمل إنتاجا وجودة وإنتاجية وانه علينا تغيير كل السياسات العمومية من التربية والتكوين إلى الارتقاء في سلم قيم الإنتاج وفق مبدإ التميز هو أفق الغالبية الساحقة من التونسيين مدرسيا بداية ومهنيا نهاية .
العمل العقلاني المنظم والمتصل والمتواصل المؤسس على ثقة المحكوم في الحاكم وثقة الجميع في حاضر ومستقبل بلادهم بإمكانه ان يحول تونس في ظرف جيل واحد من هذه الوضعية الى دولة مزدهرة يتمتع جل سكانها برفاهية معقولة ..
لقد أنجزنا الأهم باستعادة هذه الثقة الدنيا بيننا وفي بلادنا ويبقى المهم الضروري والدائم وهو التأسيس العقلاني عليها بدل التيه في أوهام الريع السحرية..