صناديق الاقتراع،فتلك ستكون مشيئة التونسيات والتونسيين وعلى الجميع القبول بالنتائج مهما كانت مخيبة لآمال البعض .
القبول بالنتائج ومقبولية النتائج عنصران أساسيان في النظام الديمقراطي وهما يدلان على بداية رسوخ قدمنا في هذا المسار الطويل والذي نرنو فيه إلى أن نصبح ديمقراطية مكتملة الأبعاد ومستقرة الأداء..
الايجابي في التجربة الانتخابية التونسية منذ أكتوبر 2011 أن كل نتائج الصندوق قد قبلت وطنيا ودوليا رغم كل الهنات التي مازالت تحوم حول المسار الانتخابي بصفة عامة من شفافية التمويل ونزاهة المنافسة وقبول كل الأطراف بقواعد اللعبة الديمقراطية .
وقد تواصلت هذه المقبولية المحلية والدولية مع نتائج الدور الأول للرئاسية رغم الحالة الشاذة التي عرفتها بلادنا والمتمثلة في وجود مترشح رهن الإيقاف.
فمن حسن حظ تونس ان مرشحي منظومة الحكم لم يمر ولو واحد منهم إلى الدور الثاني وإلا لتم التشكيك داخليا وخارجيا في نزاهة هذا الدور الأول إذ مثل تصدر قيس سعيد النتائج متبوعا بنبيل القروي عنصر الضمان الأساسي بنزاهة الانتخابات وبان من اتهم بالتخطيط لإبعاد منافس من الحلبة لم يتمكن من بلوغ أهدافه وذلك بغض النظر عن صحة هذا الادعاء من عدمه..
اليوم ونحن على بعد ثلاثة أيام فقط من الإعلان النهائي عن نتائج الدور الأول وبالتالي عن إعلان يوم 13 أكتوبر كموعد للدور الثاني ومع انطلاق الحملة الانتخابية الرسمية لهذا السباق في طوره النهائي تتغير معطيات المعادلة نسبيا اذ باستمرار إبقاء نبيل القروي رهن الإيقاف – وذلك أيا كانت الحجج القانونية والإجرائية لذلك – سوف تلقي بضلال سلبية جدا على مقبولية النتائج خاصة في حالة خسارة هذا الأخير .
لا نعتقد بان خروج نبيل القروي من السجن سيغير المعطيات رأسا على عقب إذ اتضح أن القضبان لم تؤثر في تصويت التونسيين ،ولكن الأكيد أن هزيمة محتملة للمترشح نبيل القروي ستفتح الباب على مصراعيه للشك في نزاهة الدور الثاني ومن ورائه في كل العملية الانتخابية في البلاد..
ونحن هنا لسنا أمام افتراض ردود الفعل هذه، بل نحن أمام حصولها فعلا وأمام تعبير جهات عديدة ومهمة لبلادنا عن مخاوفها من انتخابات مصحوبة بخلل بمثل هذه الجسامة..
ما قاله السيد قيس سعيد مساء أول أمس على القناة الوطنية هو عين الصواب، فهو لا يتحمل أية مسؤولية لما جرى ويجري للسيد نبيل القروي ثم عندما نتحدث ،تونسيا،على انخرام تساوي الفرص فلا ينبغي أن نكون سذجا أو أن يغيب عنا الحد الأدنى من النزاهة لنقر بان تساوي الفرص بين هذين المترشحين منخرم منذ فترة طويلة لفائدة نبيل القروي وان هذا الأخير لا يملك فقط قناة ناطقة باسمه صباحا مساء ويوم الأحد ولكن كذلك وسائل إعلامية أخرى جماهيرية تدافع عنه بكل «تفان»..
ولكن الإشكال في نظرنا لا يكمن في الحقيقة الموضوعية في تساوي الفرص ولكن ما سيرسخ في أذهان جزء من التونسيين ونعيدها ونكررها عند أهم شركائنا في الخارج ونقصد بهم دول الاتحاد الأوروبي..
ما سيرسخ في الأذهان،لو تواصل بقاء نبيل القروي وراء القضبان، أن هذه الانتخابات غير نزيهة إضافة إلى احتمال وجود برلمان جديد دون أغلبية واضحة أو دخول قوى جديدة تثير تحفظات قوية نعلم أن الاعتراف الدولي بسلامة مسارنا الانتخابي يصبح على المحك وقد نخسر بذلك أهم سند لنا لتحويل الاعتراف الدولي بسلامة المسار إلى شراكة اقتصادية وسياسية أفضل بكثير مما هي عليه الآن ..
ثم ما ذنب قيس سعيد لو فاز بالرئاسية ؟ لماذا يريد البعض(؟) ألا تدخل بلادنا في الخماسية القادمة بحظوظ دنيا للنجاح؟
نعتقد انه قد آن الأوان ليخرج رئيس الدولة من صمته مجددا وان يعبر بكل قوة وبكل وضوح عن أن هذه الوضعية الاستثنائية تهدد مقبولية مسارنا برمته وان المسؤولية التاريخية والوطنية تفرض على الجهات القضائية التي حكمت بايقافه أن تدرك أن النظر فقط بالزاوية الإجرائية الضيقة مضر بمصلحة البلاد وباستقرارها وأن إصلاح خطإ الإيقاف الأول مسألة أمن قومي الآن .
نقول هذا ونحن نعلم انه لا يمكن اتهامنا بأي طريقة من الطرق بوقوفنا مع ما يمثله مشروع نبيل القروي ومع مفهومه الزبوني للسياسة، ولكن مصلحة البلاد العليا وسلامة تموقعها السياسي فوق كل اعتبار بما في ذلك شكلانيات الإجراءات القضائية فالكل يعلم أن المسألة بدات سياسية وان القضاء – في مسالة الإيقاف هذه فقط لا في أصل القضية – قد زج به لغايات انتخابوية..
إن إصلاح هذا الخطإ الأصلي مسؤولية الجميع وخاصة منهم من هو مكلف بحكم الدستور بالسهر على سلامة العملية الانتخابية ونقصد هنا هيئة الانتخابات والتي يجب ان يعلو صوتها فوق الجميع الآن وكذلك رئيس الدولة المناط بعهدته دستوريا تامين البلاد من كل المخاطر أن ينزل بكل ثقله المعنوي لإيقاف هذه الكارثة المنتظرة ..
مازال بالإمكان إصلاح الخطإ، ومازال بالإمكان انقاذ المسار ..