ساعة الحسم

يومان يفصلاننا عن موعد الانتخابات الرئاسيّة ولا يزال التونسيون حائرين: من ينتخبون؟ ويتساءلون :من يكون المرشّح الملائم؟ ويفكّرون :كيف السبيل

إلى حسن اختيار المرشّح؟ ويتهامسون: على أيّ أساس سيكون الاختيار بعد أن توارت المعايير القديمة كالأيديولوجيا والدفاع عن الهويّة...: وهي التي قسّمت التونسيين إلى شقّ «اللي يعرفو ربيّ»، وشقّ «الحداثيين»؟ ويحقّ للتونسيين أن يعبّروا عن حيرتهم ومخاوفهم على مستقبل المسار الانتقاليّ ومستقبل الأجيال التي قدّمت الكثير في سبيل أن تبقى تونس شامخة وأبيّة.

وفي ظلّ هذا السياق المعقّد والمناخ الملوّث الذي عاشه التونسيون برز فاعلون يحاولون التأثير في الجموع بالإعلان المسبق عن اختياراتهم وتبريرها، ملغين بذلك رمزيّة ‘الخلوة’ يوم الاقتراع. وما كان بإمكان هذه الشخصيات أن تنهض بدور الشخصيات “المؤثرة” لولا شعور الناخبين بالحيرة. فلا الحوارات أفادت ولا المناظرات سهّلت عليهم الأمر ولذلك سلّم أغلبهم أمره لمن يعتقد أنّه/ها أكثر منه إدراكا للمشهد ومعرفة بالمترشّحين. ومن هنا جاز القول إنّ وضع الناخبين اليوم لا يعكس نضجا سياسيّا حقيقيّا كنّا نأمل بلوغه ،ولا يعبّر عن تحمّل لمسؤولية الاختيار إنّما هي حالة هشاشة تفرز واقعا جديدا يبحث فيه الناخب عن شمّاعة يلقي عليها المسؤولية. وليس اتّباع الناخب ما سيقرّره الآخرون نيابة عنه إلاّ محاولة للتملّص من المسؤولية وتحميل الآخر وزر انتخاب هذا المترشّح أو ذاك. فهل أصبح التونسيون يفضلّون التواكل، وإلقاء كلّ العبء على الدولة ، المؤسسة، العائلة، المسؤول، الشخصيّة المؤثرة ولا يضعون أنفسهم محلّ تساؤل أو محاسبة...؟ فإن حلّت الكوارث فبسبب الحكومة ولا دخل لسلوك التونسيين بما يحلّ بالبنية التحتية من إخلال ولا مسؤولية لهم بما يحلّ بالبيئة من دمار....هذا هو حالنا منذ سنوات ولم نتجرّأ يوما على تغيير المرآة.

لاشكّ عندنا أنّ عجز الأحزاب عن إحداث ديناميكيّة سياسية حقيقية وتغيير مقارباتها للنشاط السياسيّ والفعل في الواقع قد ترتّبت عنه عدّة نتائج لعلّ أهمّها عزوف الشباب عن السياسية واتخاذ عدد من التونسيين قرار مقاطعة هذه الانتخابات بالذات، وترسّخ حالة انعدام الثقة في قدرة الأحزاب على تقديم البدائل. فلا عجب إذن أن أصبح الناخب لا يشعر بأنّه يصطفّ وراء الأحزاب بمرجعياتها المختلفة ومعجمها الدقيق، وتاريخها المتفاوت وبرامجها وتصوّراتها ولا يتفاخر بأنّه شيوعي أو إسلامي أو قومي...بل أضحى حديثه عن المترشّحين أي عن الأشخاص وبذلك اختزل المترشّح كلّ الفعل الانتخابي فشاع على ألسنة الناس: “أنت من أتباع فلان أو فلانة”، وهو تصنيف جديد يتعالى على الأيديولوجيا ولكنّه يوغل في الشخصنة ولذا وجدنا المتناظرين يتحدثون عن أنفسهم : أنا رئيس سأفعل، سأغيّر، سأرمي، سألغي....وبذلك توارت الأفكار، والجدل، وبرز العرض: عرض الشخص لمؤهلاته كالقدرة على الإقناع أو على التلاعب بالعقول.

نعم أيّام قليلة تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسيّة ولكن ثمّة إمكانات متاحة لتغيير المشهد شريطة أن يدرك الفاعلون السياسيون واجباتهم، ويقرّر ‘زعماء الأحزاب’ تغيير قواعد اللعبة وتحمّل مسؤوليتهم التاريخيّة فإمّا أن نغادر الحياة السياسية من ‘الباب الكبير’ تاركين وراءنا ما به سندخل التاريخ أو نغادرها من ‘الباب الصغير’ فنلفظ من التاريخ الكبير تاريخ العظماء اللذين فهموا السياق ومتطلباته. ولا حلّ في تقديرنا للخروج من هذا الوضع الفوضويّ إلاّ بممارسة التفاوض والتنازل إذ لا عيب في أن يفسح ‘الكبير’ المجال ‘للصغير’ ليشارك من موقع مختلف وبتصوّر جديد في بناء المستقبل، ولا عيب في أن يتنازل الأقلّ خبرة ومعرفة بخبايا الأمور السياسية لمن حنّكته التجارب فالوضع لا يتحمّل اللعب والتطفّل والتدرّب، ولا ضير في أن تتنازل من هي غير قادرة على مواجهة المصاعب والأزمات لمن هو أكثر دراية بالمشهد.

إنّ الاختبار الحقيقي في تقديرنا ، هو مدى قدرة القيادات المعروفة على اختيار كيفيّة الحسم في مسار الانتخابات وتحديد التموقع الجديد ...ولاشكّ أنّ من دلالات الحسم : القطع، والإبعاد، والانتهاء، وكلّها أفعال تخلّف الألم والمرارة ولكن أليس في تونس ما يستحقّ أن نضحيّ من أجله ؟

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115