هي في تحسين الاقتصاد وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين ومقاومة الفقر والبطالة وإرساء الأمن بمكافحة الإرهاب والجريمة وكذلك محاربة الرشوة والفساد ..
وفي الحقيقة هذه هي أهم انتظارات المواطنين من السلطة السياسية وبالنسبة لهم الرئيس المنتخب هو أعلى ممثل لهذه السلطة وبالتالي تقع عليه أعباء الاستجابة لكل هذه المطالب ..
لقد قيل الكثير في مجال صلاحيات رئيس الجمهورية وفق دستور 2014 من حاصر لها في مجالي الدفاع والخارجية فحسب إلى موسع لها بدرجة تلغي في الواقع الصلاحيات الواسعة لرئيس الحكومة .
في الحقيقة النقاش ليس دستوريا فقط أي ليس في تأويل حدود ومجالات «الأمن القومي» وهل تقتصر فقط على «حماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية»؟ كما هو منطوق الدستور او تتوسع الى «الامن القومي» في إطار أشمل يقحم بالتالي المسائل الاقتصادية والاجتماعية ..
النقاش في نظرنا سياسي بالأساس : ما هي المتاحات داخل الدستور وخارجه لكي يلعب الرئيس المنتخب دورا هاما في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ؟.
لا ينبغي أن نغفل عن مسألة أساسية : رئيس الجمهورية هو الشخص الوحيد المنتخب من قبل عموم التونسيات والتونسيين ،وهذا ما يعطيه مكانة اعتبارية لا يضاهيها فيه احد، بمن في ذلك رئيس الحكومة ذي الصلاحيات الواسعة دستوريا ولكنه غير منتخب شعبيا .
الأثر السياسي الأول ناجم عن تغيير الروزنامة الانتخابية اذ سيعطي الدور الأول للرئاسية ضربة الانطلاقة الفعلية للماراطون الانتخابي وستكون نتيجة 15 سبتمبر مؤثرة إلى أبعد الحدود على نتائج التشريعية في 06 أكتوبر، بما يعني أن الرئيس القادم سيكون مؤثرا بدرجة كبيرة في التشكل الأول للبرلمان الجديد ..
ولكن هنالك دور ثان نعتقد انه أعمق واهم وأكثر ديمومة وهي دوره في تشكيل أغلبية انتخابية خاصة عندما يكون مسنودا بكتلة أو كتل وازنة داخل المجلس الجديد ..
نحن نعلم جيدا أن من عيّن الحبيب الصيد كأول رئيس حكومة لهذه العهدة الانتخابية ليس حزب نداء تونس وفق نص الدستور بل رئيس الدولة المغفور له الباجي قائد السبسي، ونفس الأمر من قد يحصل هذه السنة كذلك وما قد يمنعه ليس نص الدستور بل وجود أغلبية برلمانية معارضة لرئيس الدولة المنتخب وهذه هي الفرضية الوحيدة التي قد تقلص الدور السياسي لساكن قرطاج، ولكن هذه الفرضية افتراضية والأرجح عندنا أن الأغلبية البرلمانية ستكون، مرة أخرى، متناغمة مع الأغلبية الرئاسية .
وهذا الدور السياسي الواسع هو الذي سيسمح لرئيس الدولة بأن يحرك السياسات العمومية عامة لا فقط سياسات الأمن والخارجية.
ولكن لكي يلعب الرئيس القادم دورا هاما في المسائل الاقتصادية أي تأثيرا في الحكومة وتوجهاتها لابد أن تكون له نظرة ومشروع اقتصادي واجتماعي حتى وإن كان غير مطالب به تقنيا في حملته الانتخابية.. فالرئيس الذي يملك هذه النظرة وهذا المشروع سيتمكن من اختصار الآجال ومن اقتراح الشخصيات والسياسات الملائمة وذات القدرة السريعة على الانجاز.
ولكن لعل الدور الأكبر والاهم اقتصاديا لرئيس الدولة القادم سيكون في قدرته على التسويق الجيد لتونس في جلب الاستثمارات الكبرى وتأسيس الشراكات وإعطاء صورة ديناميكية للوجهة التونسية على كل الأصعدة.
لا ينبغي أن نغالط أنفسنا : وضع البلاد الاقتصادي والمالي صعب للغاية ولم يعد بإمكاننا إهدار المزيد من الطاقات وإهدار المزيد من الوقت.. فرئيس دولة لا يفقه كثيرا في مجالات الاقتصاد ولا يحسن التسويق الجيد للوجهة التونسية سيضيع على البلاد فرصا كثيرة ، كما أن صراعا خفيا أو معلنا بين رأسي السلطة التنفيذية سيكون بالضرورة على حساب فاعلية السياسات العمومية .
بعبارة أخرى يمكن لرئيس الجمهورية القادم ان يسهم بصفة إيجابية في خلق مناخ الثقة حول تونس وجلب استثمارات هامة والدفع نحو سياسات اقتصادية ناجعة كما يمكن أن يقتصر على أدواره الكلاسيكية وأن تفقد البلاد تبعا لذلك فرصا إمكانيات في سياقات دولية صعبة للغاية..
كما لا يخفى على أحد دور رئيس الدولة في المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي حول الاليكا وكذلك دوره في كل الشراكات الممكنة مع مختلف القوى والتحالفات الاقتصادية ..
ادوار هامة ومعقدة تنتظر ساكن قرطاج الجديد ، ولا ندري كم من مترشح استعد لها فعلا أو هو قادر ، فعلا ،على القيام بها.