مؤشرات الثلاثي الثاني لسنة 2019: نموّ ضعيف وبطالة مرتفعة

• 1،2 ٪ نسبة النموّ للثلاثي الثاني
و 1،1 ٪ كمعدل للنمو
في السداسي الأول
و 15،3 ٪ نسبة البطالة

أصدر يوم أمس المعهد الوطني للاحصاء الأرقام المتعلقة بالنمو الاقتصادي وبنسبة البطالة للثلاثي الثاني من هذه السنة، وجاءت النتيجة مرة أخرى مخيبة للآمال بصفة كبيرة، اذ لم يحقق اقتصادنا خلال هذا الثلاثي الثاني إلا 1،2 ٪ كنسبة نمو بالانزلاق السنوي (أي مقارنة بالثلاثي الثاني لسنة 2018) وهكذا يكون معدل النمو الاقتصادي للسداسي الأول لسنة 2019 في حدود 1،1 ٪ بينما المؤمل كان تحقيق معدل سنوي بـ 3،1 ٪ .. معدل أضحى الآن من أضغاث الأحلام، بل الثابت أيضا أننا لن نبلغ حتى 2 ٪ على كامل هذه السنة لأن ذلك يفترض نسبة نمو في حدود 2،9 ٪ لكامل السداسي الثاني، وهو ما لا يبدو أننا قادرون على انجازه... وبطبيعة الحال مع نمو هش وضعيف كهذا بقيت نسبة البطالة مرتفعة وهي الآن مستقرة للثلاثي الثاني على التوالي في حدود 15،3 ٪.

في أواسط سنة 2018 أعلن رئيس الحكومة أن نسبة النمو ستكون في حدود 3 ٪ لسنة 2018 و4 ٪ لسنة 2019 لتبلغ 5 ٪ في 2020 ٪.
في 2018 كان الانجاز دون التوقع: 2،5 ٪ على امتداد السنة ثم كانت تقديرات الحكومة أكثر تواضعا من اعلان رئيسها اذ خفضت تقديراتها الى 3،1 ٪ لسنة 2019 ولكن نتائج هذا السداسي الأول تجعلنا بعيدين جدا عن هذا المستوى رغم موسم سياحي جيّد.
يعود هذا النمو الهش أساسا الى التراجع المسجل في كامل القطاع الصناعي سواء تعلق الأمر بالصناعات المعملية (0،8 ٪-) أو غير المعملية أي الصناعات الاستخراجية وقطاع البناء التي تراجعت اجماليا بـ 2،6 ٪.
في المقابل لم تسجل الفلاحة والصيد البحري وكذلك الخدمات المسوقة أرقاما استثنائية بل كانت متواضعة (2،8 ٪ للأولى و 2،1 ٪ للثانية) وذلك رغم الصحة الجيدة لبعض القطاعات داخلها...
الواضح اذن أن آلتنا الانتاجية بصدد التراجع ويعود تراجعها إلى التراجع النسبي لكل محركات الانتاج من استثمار وتصدير وانتاجية مختلف العوامل وخاصة انتاجية العمل بما يفسر أننا أصبحنا بصفة هيكلية في مرحلة النمو الهش، وأننا لم نقم بالاصلاحات الضرورية لكي يخرج اقتصادنا من هذه الوضعية ويرتقي الى المستويات الدنيا (أي 5 ٪ فما فوق) القادرة لوحدها

على حل مشكلة البطالة وعلى ارجاع التوازن الى المالية العمومية أي توفير موارد جبائية اضافية للدولة بحكم الدورة الاقتصادية العالية مما يقلص من حاجياتنا للاقتراض ويخفض بالتالي من مديونيتنا العمومية وما يحدّ أيضا من عجزنا التجاري الذي ما فتئ يحطم كل أرقامه القياسية منذ سنة 2016 وما ينتج عن ذلك من عجز ميزان الدفوعات والذي أصبح برقمين منذ السنة الفارطة.

لا يخفى على أحد أن وحده النمو القوي والصحي أي القائم على الارتفاع في سلم القيم وعلى تحسن مستويات الادخار والاستثمار والتصدير وانتاجية العوامل (العمل ورأس المال واللوجستيك والتجديد) هو وحده القادر على استيعاب الوافدين الجدد إلى سوق الشغل والتقليص من عدد العاطلين عن العمل من ذوي المدى المتوسط أو الطويل...
النمو الهش تنتج عنه بطالة مرتفعة وذلك أيا كانت الاجراءات النشيطة للحد منها، ولهذا بقيت البطالة مستقرة في حدود 15،3 ٪ لمجموع السكان النشطين، ولكن البطالة تعكس كل مستويات التفاوت والتمايز في المجتمع التونسي، فالاناث هن دوما أول المتضررات اذ ترتفع نسبة البطالة عندهن بصفة اجمالية إلى 22،4 ٪ بينما تكون في حدود النصف بالنسبة للذكور (12،3 ٪).. والشباب (أيا كان مستواه التعليمي) هو أكثر عرضة لهذه الآفة اذ تصل معدلات البطالة لمن هم ما بين 15 و24 سنة إلى أكثر من الثلث (34،4 ٪) وهذه هي الوضعية الوحيدة التي يتساوى فيها الاناث مع الذكور.
أما بطالة أصحاب الشهادات العليا فقد شهدت تراجعا طفيفا لتستقر في حدود 28 ٪ مع تفاوت قوي بين الاناث (38.1 ٪) والذكور (16،4 ٪)..
والتفاوت في البطالة لا يقف عند الحدود الجندرية والجيلية بل يتجاوزها إلى الحدود المجالية (الجهوية) اذ البطالة في حدودها الدنيا (حوالي 10 ٪) في ولايات أريانة ونابل وزغوان وبنزرت وسوسة والمنستير والمهدية وصفاقس بينما تناهز الربع أو تتجاوزه في كل من جندوبة وقابس وتطاوين وقفصة وقبلي.

والملاحظ أننا أمام وضعية مستمرة لعقود ولا تعود فقط إلى سنوات الثورة..

لو أضفنا إلى أرقام النمو والبطالة، أرقام العجز التجاري والمديونية والتضخم يتضح للجميع أن هذه المؤشرات الكبرى - حتى وإن حصل تحسن طفيف في بعضها - لا تتجه البتة إلى اللون الأخضر كما وعدتنا به الحكومة منذ سنة 2016 وأن حلم الخروج من زقاق النمو الهش مازال بعيدا...
سوف يتمحور حزء من النقاش العام ونحن على أبواب انتخابات مصيرية بين ممثلي الحكومة وخصومهم حول مسؤولية السياسي في كل هذه الأرقام وهل كان بالامكان أحسن مما كان أم أن الحكومة الحالية قد تصرفت وفق المتاح لها من الامكانيات؟!
ولكن النقاش الأهم لا يمكن فقط في مستوي الحصيلة بل كيفية الاصلاح الفعلية لكل ما يعيق اقتصادنا ويحد من نمو وبالتالي من ازدهار المجموعة الوطنية...

هذا هو النقاش الحقيقي للتشريعيات، ولكن لا شيء يدل أننا بصدده الآن ولا أن مختلف القائمات المترشحة الحزبية والائتلافية والمستقلة قد طرحت على نفسها الأسئلة الصحيحة وأنها ستقدم للتونسيين بعض أفق الأجوبة..
كل شيء يجري وكأننا سنعيد أخطاء الماضي القريب مرة أخرى.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115