وعبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع والمنافسة لن تكون فقط بين ممثلي منظومة الحكم وخصومهم بل داخل المنظومة بل داخل الحكومة ذاتها ..
لو نظرنا إلى الأمر من خارج السياق التونسي لبدا لنا غريبا كل الغرابة،إذ ما معنى التنافس من داخل نفس العائلة ومن نفس الفريق الحكومي؟ من خارج السياق التونسي قد يبدو هذا التنافس الداخلي نوعا من الانتحار السياسي للاثنين معا ..
من داخل السياق التونسي يفصح هذا التنافس عن مسألة على غاية من الأهمية وهي أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد لا يمثل كل تيارات وشخصيات الحكم بل ولعله ابعد ما يكون عن قلوبهم من بعض المنافسين الآخرين من خارج منظومة الحكم بمعناها الضيق ..
بالنسبة لهؤلاء يوسف الشاهد لم يعد الشخصية الجامعة القادرة على توحيد عائلته السياسية حتى بعد وفاة المغفور له الباجي قائد السبسي .. بل لعل وفاة رئيس الدولة السابق قد عرّت بكل قوة عن هذا الشعور وجعلت أصحابه يبحثون وبسرعة عن البديل القادر على التجميع داخل نفس هذه الحركة، وشاءت مناخات وفاة الرئيس الراحل وحالة الحزن التي ألمت بالبلاد وبكامل الطبقة السياسية كذلك أن يكون وزير الدفاع ، وهو اخر شخصية رسمية قابلت الرئيس الراحل ، هو «العصفور النادر» الذي قد يكون بإمكانه النجاح فيما اخفق فيه يوسف الشاهد.
بعبارة أخرى وكأننا أمام منافسة غير مباشرة بين رئيس الحكومة الحالي وخيال الرئيس الراحل والذي وجد في وزير الدفاع تجسيدته السياسية الأبرز اليوم ..
قلنا في مناسبات سابقة بأن ما يسمى بالعائلة الوسطية في تونس ستتقدم إلى الانتخابات الرئاسية مشتتة، وهذا التشتت أصبح واضحا بعد تقدم مهدي جمعة رئيس حزب البديل بالترشح والترشح شبه المؤكد ليوسف الشاهد ولعبد الكريم الزبيدي ، والأرجح عندنا ألا يقف العدد عند هذا الحد وان يفكر كل من محسن مرزوق وسعيد العايدي وسلمى اللومي هم أيضا في الترشح إن لم تأت مشاورات اليوم (الأربعاء) والغد (الخميس ) بالجديد ..
لعل تونس لم تشهد في تاريخها الحاضر كم المشاورات والمفاوضات الحاصلة الآن بين مختلف فرق هؤلاء المرشحين بالإضافة إلى الشخصيات واللوبيات التي دخلت على الخط إما للانتصار لأحد المترشحين أو لمحاولة الوساطة بينهما .
ويبدو أن كل الوساطات قد باءت بالفشل مما دفع بالطرفين إلى الإصرار على تقديم ملفيهما إلى هيئة الانتخابات والأرجح أن يبادر اليوم أو غدا عبد الكريم الزبيدي بتقديم ملفه وان ينتظر يوسف الشاهد إلى آخر يوم (الجمعة) لإيداع ملفه عند الهيئة ..
سوف يخلق هذا التنافس داخل فريق الحكم وضعية خاصة قانونيا بداية وسياسيا فيما بعد .
وزير الدفاع سيقدم استقالته للتفرغ لحملته ، مما يستوجب تعيين وزير بالنيابة والسؤال من يستطيع الجمع بين مهامه الوزارية الحالية ومهمة وزارة الدفاع ؟
هل سيكون وزير الداخلية وهي الوزارة الأقرب إلى مهام الدفاع ؟ أم وزيرا آخر محسوبا على يوسف الشاهد ؟ ولكن نعلم أن تعيين وزير الدفاع هو من مشمولات رئيس الجمهورية، فكيف سيكون التنسيق بين الرجلين ؟
ولكن الإشكال القانوني الأكبر يبقى متعلقا بيوسف الشاهد الذي لا يستطيع الاستقالة اذ بذلك تعد الحكومة كاملة مستقيلة مما قد يعقد وضع البلاد في هذا الظرف بالذات ..
الحل الذي تفكر فيه رئاسة الحكومة منذ مدة هو استعمال الجملة الأخيرة من الفصل 92 من الدستور الذي يحدد اختصاصات رئيس الحكومة حيث جاء في هذه الجملة « إذا تعذر على رئيس الحكومة ممارسة مهامه بصفة وقتية يفوض سلطاته إلى احد الوزراء »..
والسؤال هنا هل أن تفرغ رئيس الحكومة للحملة الانتخابية الرئاسية ( والتي قد تستمر لأكثر من شهرين في صورة ترشحه للدور الثاني ) يعد تعذرا لممارسة مهامه بصفة وقتية أم شغورا نهائيا لمنصب رئيس الحكومة وفق الفصل 100 من الدستور الذي ينص على التالي : «عند الشغور النهائي لمنصب رئيس الحكومة لأي سبب عدا حالتي الاستقالة وسحب الثقة ، يكلف رئيس الجمهورية مرشح الحزب أو الائتلاف الحاكم بتكوين حكومة خلال شهر وعند تجاوز الأجل المذكور دون تكوين حكومة، أو في حالة عدم الحصول على الثقة، يكلف رئيس الجمهورية الشخصية الأقدر ليتولى تكوين حكومة تتقدم لنيل ثقة مجلس نواب الشعب طبق أحكام الفصل 89»
ويضيف الفصل 100 «تواصل الحكومة المنتهية مهامها تصريف الأعمال تحت إشراف عضو منها يختاره مجلس الوزراء ويسميه رئيس الجمهورية إلى حين مباشرة الحكومة الجديدة لاعمالها».
سنكون إذن أمام قراءتين دستوريتين مختلفتين تعطي الأولى اليد الطولى لرئيس الحكومة لاختيار معوضه بما قد يسمح له بالعودة إلى منصبه لو خرج من الدور الأول مثلا بينما تفيد الثانية أننا أمام شغور نهائي يخرج يوسف الشاهد من القصبة نهائيا ويمنعه من تعيين خلفه..
لا ندري ماذا دار يوم أمس بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية ولكن لا يستبعد مطلقا إثارة هذا الموضوع الحساس والبحث عن توافق راسي السلطة التنفيذية على قراءة موحدة للدستور والأرجح انه سيتم احترام قراءة رئيس الجمهورية بدءا لكونه ضامنا للدستور وثانيا لأنه غير معني بالمنافسة الانتخابية على عكس صاحب القصبة والذي لا يمكن أن يكون الخصم والحكم في نفس الوقت ..
بقيت مسألة على غاية من الطرافة : كيف سيتنافس رئيس الحكومة مع وزير الدفاع ؟ هل سيكون ذلك على خلفية برامج مختلفة لمهام رئيس الدولة ؟ أم سيقتصر على التشكيك في جدية المنافس على لعب هذا الدور التجميعي الذي يفترضه منصب كرسي قرطاج ؟
وبعد ذلك لو تبين للاثنين قبيل يوم الاقتراع أن التنافس بينهما سيؤدي إلى هزيمة كليهما ، فهل سينسحب الأقل حظا من السباق أم سيصرّ على خوض المعركة إلى النفس الأخير ؟
فعلا تونس «ولادة» والمشهد السياسي فيها لم يستقر بعد على حال وانتخابات 2019 ستكون على غير نموذج سابق ..
الفرجة مضمونة والبقاع لا تحتمل أكثر من اثنين بداية لتنتهي بكرسي واحد ..
لقد انطلق السباق ..