ما دام عدد القائمات المترشحة قد بلغ 1579 حسب آخر تحيين للهيئة العليا المستقلة للانتخابات بل لعلنا نحطم الرقم القياسي لسنة 2011 (1517 قائمة) بعد استيفاء كامل مراحل الطعون..
هنالك حوالي 48 قائمة في كل دائرة مع وجود ستة دوائر تجاوز فيها عدد القائمات عتبة الستين: تونس الثانية (60) ومنوبة (61) والقيروان (65) والقصرين (68) وقفصة (70) وسيدي بوزيد (75)
ما معنى أن يجد الناخب نفسه أمام ستين أو سبعين قائمة أو حتى خمسين ؟ ! وهل أن العرض السياسي الفعلي والجدي يصل في بلادنا إلى هذا الحد ؟ وهل أن كل هذه القائمات تتوفر على الحد الأدنى من الجدية ؟ أم أن جلها يعمل تحت شعار «العبرة بالمشاركة»؟
كثرة العرض لا تعبر مطلقا على تنوع فعلي أو عن حسن توفر شروط الاختيار،فهذا أشبه بالتخمة ونعلم جيدا ،منذ 2011، أن تذرأ كبيرا للأصوات سوف يحصل وأن الديمقراطية لا تخرج بالضرورة الفائز الأول من هذا الكم المفرط من الترشحات..
يبدو أن هنالك استسهالا عند العديدين للفوز بمقعد في مجلس نواب الشعب على أساس هذا القانون الانتخابي السخي الذي يسمح لقائمة لم تحصل إلا على %2.8 من الأصوات مثلا أن تفوز بمقعد في المجلس ،وهذا يسيل لعاب الكثيرين من أحزاب ومستقلين فيكثرون من القائمات لا على أساس إمكانية جدية للفوز أو لامتلاك مشروع جدير بالعرض على الناخبين بل فقط لاحتمال فوز بمعقد يتيم، احتمال لا يصل إلى 1 % في جل الحالات ..
المسألة حسمت في تشريعيات 2019 وسوف يجد الناخبون مرة أخرى أنفسهم أمام عدد مهول من القائمات نعلم جميعا أن نصفها على الأقل لن يصل حتى إلى 1 % من الأصوات المصرح بها ..
ولكن هل محكوم علينا أن نبقى هكذا لا نستفيد من أخطاء الماضي ولا تتعظ بتجاربه؟
يعتقد بعضهم ان إقحام العتبة قد يرشد العملية ككل ولكننا نظن أن العتبة (والتي لا يجب أن تقل عن %5) ترشد فقط إعلان النتائج ولا تعقلن عملية الترشح.
لقد حان الأوان لإقحام شرط جديد في الانتخابات التشريعية انطلاقا من سنة 2024 وهو شرط التزكية ،فلكي تترشح قائمة مستقبلا في التشريعية لابد ان تستظهر بعدد معين من تزكيات ناخبي الدائرة المعنية (50 ناخبا عن كل مقعد مثلا، أي في دائرة فيها 6 مقاعد لابد من تزكية بـ300 ناخب على الأقل) هذا اذا ما حافظنا على النظام الانتخابي الحالي أما لو عمدنا إلى نظام مغاير كالدوائر الفردية أو الثنائية على دورتين فحينها يمكن الاستغناء عن التزكية لأن الأساسي سيتم في الدور الثاني بين متنافسين اثنين أو ثلاثة على الأقصى وفق آليات مختلفة لتصعيد المترشحين إلى الدور الثاني وعندها ستتوفر إمكانية الاختيار الجدي بين متنافسين أو ثلاثة يمثلون مشاريع مختلفة ويكون التصويت ذي مغزى إذ يصبح الدور الأول للغربلة والدور الثاني للاختيار الفعلي ..
ومن مزية نظم كهذه أن يحظى كل نائب غدا بتصويت مباشر لشخصه على عكس من ينجح الثالث أو الرابع في قائمته وفق نظام النسبية ..
إنّ من مهام المجلس النيابي الجديد وفي بداية عهدته لا نهايتها أن يضع الشروط الكفيلة لضمان حق الترشح مع ترشيده لا من حيث الانتماءات الفكرية والمذهبية ولكن لضمان ان من يدخل لحلبة المنافسة في الانتخابات الوطنية العامة (تشريعية ورئاسية ) له الحد الأدنى من التمثيلية وبالتالي من جدية العرض الانتخابي وحتى توفر لكل الناخبين شروط الاختيار الفعلي ..
الانتخابات التشريعية ليست منافسة وهرولة من اجل مقعد بل تنافس من اجل حكم البلاد .