متنوعة لبعض الغاضبين وإعادة إدماجهم في تركيبة القائمات المترشحة،بدأت القيادات «المنضبطة» للحركة الإسلامية في الترويج لخطة اتصالية مفادها أن الحركة تستعد للانتصار ولقيادة المرحلة القادمة ولهذا فهي قد رشحت ابرز قيادييها للبرلمان وعلى راسهم رئيسها ومؤسسها راشد الغنوشي الذي «خدم» كل هذه الفترة البلاد من «خارج المؤسسات» وانه قد آن الأوان لكي «يخدمها» من داخل المؤسسات بدءا بالوصول إلى البرلمان في انتظار المزيد وفق النتائج النهائية للصندوق .
المهم في كل هذه السياسة الاتصالية أن حركة النهضة تقول لنا بأنها ستخوض الاستحقاق التشريعي القادم من اجل الفوز بداية وحكم البلاد تبعا لذلك .
السؤال المطروح هو هل أن حركة النهضة مقتنعة تماما بما تقول وأنها مستعدة للاضطلاع بأعباء الحكم لو تقدمت على بقية منافسيها وهل أنها تريد التواجد بأكثر قوة في أهم مؤسسات الدولة أي أنها تطمح بداية لرئاسة مجلس النواب وثانيا ،ربما،لرئاسة الحكومة أم أننا فقط أمام خطة اتصالية المقصود بها غير ظاهرها ؟..
لا خلاف في أن كل حزب عندما يدخل منافسة انتخابية يكون هدفه المعلن هو الفوز بها خاصة إذا ما تعود هذا الحزب على إحراز نسب مرتفعة من أصوات الناخبين، وبهذا المعنى لا مفاجأة في الحقيقة عندما تعلن القيادات النهضوية السائرة على نهج «الشيخ» بأنها ستفوز بالانتخابات وستتحمل مسؤوليتها السياسية والمؤسساتية تبعا لذلك ..
ولكن نعتقد بأن هنالك دوافع أخرى تقبع وراء هذه النبرة الانتصارية وأهمها حالة الارتباك التي سادت منذ أسابيع عديدة داخل الحركة من احتمال تصويت عقابي عام لا يشمل حلفاءها فقط بل قد يجعلها في وضعية لم تعهدها منذ الثورة إلى الآن .
أما الدافع الثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول فهو هذه الانتقادات العديدة والحادة التي توجهها بعض قيادات الصف الأول وذات التاريخ النضالي داخل حركة النهضة منذ أكثر من ثلاثة عقود والتي شملت هذه المرة رئيس الحركة واتهمت القيادات الموالية له بالتزلف وبالاصطفاف وراء الولاءات وبتجاهل أبناء وبنات الحركة وبالدوس على الديمقراطية الداخلية وبالاستفراد بالقرار.. ورغم المحاولات العديدة لرأب هذا الصدع ولاختراق صف المعارضين بترضيات جزئية لهذا أو ذاك، فالوضع داخل الحركة الإسلامية ليس على أحسن ما يرام ، هذا ونحن مازلنا في حقبة «الشيخ» المؤسس الذي تزعم هذه الحركة على امتداد نصف قرن، فما بالك لو غادر القيادة وحصلت هذه الخلافات في سنة 2024 مثلا فهل ستتمكن هياكل النهضة ومؤسساتها من امتصاص موجة غضب كهذه أم سيتشقق البنيان وتتداعى الصفوف ؟ !..
تفسر هذه الوضعية الداخلية لحركة النهضة جزءا هاما من هذه النبرة الانتصارية الاتصالية .
فالمعلوم أن الحروب وحدها هي التي توحد القواعد مع القيادة، والانتخابات هي ام المعارك في الديمقراطية وفي الحياة الحزبية وتوجيه جهد أبناء وبنات الحركة والمتعاطفين معها الى الخصوم الخارجيين من شانه أي يضمد الجراحات الداخلية أو على الأقل أن يتم غض البصر عنها الى حين .
وهكذا يكون الهدف من وراء النبرة الانتصارية هو حشد القواعد وتجنيدهم خاصة وزعيمهم يخوض معهم «حرب» العاصمة، لا اعتقادا جديا بالفوز وبالقدرة على تسيير البلاد بصفة مباشرة في الخماسية القادمة .
وبين هذا وذاك تكون الحركة الإسلامية قد دخلت بدورها في مرحلة انتقالية بالابتعاد الاضطراري لزعيمها عن «مون بليزير» (المقر الرسمي للنهضة) خاصة إذا ما تمكن من ترجمة دخوله المحتمل إلى البرلمان بمنصب رسمي (رئاسة المجلس مثلا) بما يسمح بتغيير في القيادة خلال مؤتمر النهضة في 2020،تغيير «هادئ» تحت أنظار «الشيخ» وإشرافه المباشر ..
رهانات معقدة والربح فيها –على عكس النبرة الانتصارية- غير مضمون ولكن لعل راشد الغنوشي اختار «الحرب» الأيسر بالنسبة له : الترشح على رأس قائمة نهضوية بدلا من الترشح لرئاسة الجمهورية ، ولكن حتى وان كان متأكدا من تحقيق هدفه وهو المرور إلى البرلمان، فالانتصار في تونس الأولى خاصة وفي بقية البلاد عامة يخضع لمقاييس أخرى، من بينها هل تدعم النهضة نتائج 2014 في التشريعية و2018 في البلدية أم تتراجع عنهما؟ في صورة التقدم يكون الانتصار للنهضة ولرئيسها ولكن في صورة التراجع، وخاصة عندما يكون واضحا، فالقيادة الحالية وراشد الغنوشي رأسا سيكونان على صفيح ساخن في الخريف القادم..
لأول مرة منذ ولوجه عالم السياسة سيكون المصير الشخصي لراشد الغنوشي مرتبطا بإرادة ناخبين من غير حزبه.