6 أكتوبر للتشريعية و17 نوفمبر للدورة الأولى للرئاسية منهيا بذلك حالة من التذبذب التونسي التي أصبحنا معتادين عليها منذ سنة 2016 وهي التأجيل أو بالأحرى حلم ووهم التأجيل للاستحقاقات الانتخابات بدوافع وغايات شتى جلّها لا ينتمي لعالم السياسة الفعلي .
ورغم أن رئيس الدولة مازال في مرحلة النقاهة بعد التوعك الصحي الحاد الذي الم به ولكنه حرص على الظهور والإمضاء وتوجه كذلك بكلمة قصيرة شكر فيها بعض قادة الدول الذين تمنوا له الشفاء والتعافي .
وهنا لابد من قول كلمة حق في فترة عز فيها الحق بعدما انهالت الاتهامات والتجنيات على مصالح الرئاسة وحملتها «وزر» الإعلان الأول الذي تضمن جملة التوعك الصحي الحاد ورأوا فيها تعاملا لا مسؤولا وموغلا في الشفافية مع مسألة تعد من عناصر الأمن القومي .
في البدء نقول لمن لم يتعود بعد على الممارسات الديمقراطية أن الحد الأدنى من الشفافية هو عمادها وقوامها وأن التعتيم - بما في ذلك على صحة الرئيس - إنما هو من «خصال» الاستبداد ولا يليق البتة بديمقراطية ناشئة .
والنزاهة تفرض علينا الاعتراف بأن إشاعة وفاة رئيس الدولة لم تنطلق البتة من المصالح الاتصالية بقصر قرطاج بل من دوائر أخرى وأن بيان الرئاسة وإن مثل صدمة لكل التونسيين إلا انه أسهم في القضاء على هذه الإشاعة واعلم التونسيين بالحقيقة الآنية للوضع الصحي لرئيس الدولة ،وحتى تكون هنالك مصداقية للإعلان الثاني ببداية التعافي كان لابد من توفر البيان الأول على الحد الأدنى المطلوب من الشفافية والمصداقية.
لن تتقدم تونس اليوم وغدا ما لم يتعامل حكامها مع شعبها بالاحترام المطلوب في الديمقراطية وأول عناصر الاحترام هو الابتعاد عن التعتيم والكذب وسلوك الصدق والنزاهة في إعلام الرأي العام.
نعود للانتخابات لنقول بأن رئيس الدولة قد حسم الجدل وان المواعيد الدستورية التي حددتها هيئة الانتخابات قد تم احترامها بحذافيرها فاتحا بذلك الموسم الفعلي للانتخابات قبيل عشرة أيام من بدء المرحلة الانتخابية.
ونقول من الآن بأن الأحزاب التي روجت في السر لفكرة تأجيل الانتخابات ستكون بلاشك الخاسر الأول فيها لأنها لم تستعد لها ذهنيا وسياسيا كما يجب وعولت على تكتيكات مضحكة عساها تجني من وراء التأخير بعض المغانم ..
ولكن من سوء قدرنا أن موسم الانتخابات سيقترن دوما مع العطلة الصيفية للتونسيين وسيتم جزء هام منه في غياب اهتمام عموم التونسيين به ولكن العيب ليس في توقيت الانتخابات بل في عدم الاستعداد الجدي لها من قبل كل الأحزاب والقائمات والشخصيات التي تنوي الترشح لها إذ عادة ما تكون السنة الانتخابية بأكملها سنة الأفكار الجديدة والبرامج الجريئة ومناقشة الاختيارات الوطنية الكبرى، وكل هذا غاب عن بلادنا وعوضته سنة المناورات والتكتيكات السياسوية وحرب تموقعات الشقوق والتحالفات الانتهازية ورغبات الأفراد وأصحاب المصالح في التواجد في القائمات فقط ليس إلا والنتيجة كانت حتمية: عدم اكتراث المواطنين، إلى حد الآن، بهذه المواعيد الحاسمة لتاريخ البلاد .
ولعلنا في هذه السنة في وضعية أسوأ من 2011 و2014 فيما يتعلق بالنقاش الديمقراطي وتطارح الأفكار وقد يعود ذلك إلى غلبة رهانات الحكم على أولويات السياسة .
ثم ولضعف حياتنا السياسية وغياب الرؤية والمشاريع الطموحة ظهرت في البلاد كائنات غريبة تعتمد التحيل وشراء الذمم كمبدإ للوصول إلى الحكم عبر الزبونية الخيروية أو تلك التي تلبس لبوس الحداثة الزائفة ، والعيب في الحقيقة ليس فيها بل في نخبتنا السياسية ولاسيما الحاكمة منها التي جعلتنا نتردى إلى مثل هذا المستوى المهين للبلاد وللعباد .
ولكن لا ينبغي أن نقنع بالبكاء على الأطلال وأن نستسلم للأمر الواقع فأمامنا ثلاثة أشهر يمكن فيها تلافي الكثير وان تعكس بعض الأحزاب والقائمات المستقلة الجدية صورة أخرى عن السياسة : سياسة الأفكار والمقترحات والبرامج والأيادي النظيفة لان أسوأ ما يمكن ان يصيب ديمقراطية ما هو اعتقاد شعبها بأن كل نخبته السياسية فاسدة متمعشة لا تفكر إلا في الكراسي فقط لا غير..
نحن نعلم جيدا أن هنالك نزاهة ووطنية ورغبة في البناء عند العديدين ولكن هذه العناصر الايجابية لم تتمكن بعد من التشكل القوي ومن الظهور اللافت على السطح ونعتقد أن الانتخابات التشريعية والرئاسية هي فرصة سانحة لكي نغير قدر الإمكان صورة الناخب (ة) عن السياسة والسياسيين..
نحن نعلم ان بعض الرهانات الظرفية ستهيمن على الأسبوعين القادمين بدءا بمصير تنقيحات قانون الانتخابات و ثانيا واساسا تشكيل القائمات للتشريعية والصراعات التي ستصحبها في كل الأحزاب بلا استثناء .
ولكن بعد ذلك ينبغي للسياسة الحقيقية والجدية أن تستعيد موقعها ومكانتها : أفكار وبرامج ورؤى لتونس ولأهم مشاكلها وأن يتهيكل النقاش الوطني العام حول الاختيارات والإصلاحات الكبرى للبلاد حتى يستنير تصويت الناخب (ة) وحتى نقطع الى حد ما مع التصويت على الهوية أو المصلحة الزبونية .
ثلاثة اشهر ليتصالح التونسي (ة) مع السياسة في نبل أهدافها ..
الكرة الآن عند كل القائمات المترشحة فإما أن نجعل من هذا الموسم الانتخابي فرصة لبداية بناء وطني فعلي أو أن نواصل التعثر لخماسية قادمة.