ولسنا ندري هل كان ذلك فقط لدواعي عدم التفاهم حول المحاصصة أم رغبة مبطنة في إبقاء حالة من اللاتحدد في المشهد المؤسساتي العام ..
ومن النتائج المباشرة لهذا تواصل عمل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين أكثر من ثلاث سنوات بعد انتهاء آجالها الدستورية واضطرارها لمواصلة القيام بدور المحكمة الدستورية كلما رفع لها طعن في مشروع قانون جديد.
اليوم تجد هذه الهيئة نفسها أمام امتحان صعب إذ هي مدعوة للحسم في أمر جوهري يتجاوز كثيرا الاعتبارات القانونية والدستورية ويعطي للهيئة دورا في تأويل نصوص القانون والدستور سيكون محددا جزئيا أو كليا للمشهد السياسي للخماسية القادمة.
في الطعون التي قدمها النواب يوم أمس إلى الهيئة الوقتية هنالك سرد لجملة من المبادئ والفصول الدستورية والقانونية التي تجعل هذه التنقيحات، من وجهة نظرهم غير دستورية إما لأنها لا توفر العدالة (العتبة) أو لاعتمادها على المفعول الرجعي للتطبيق أو لغيرها من الاعتبارات (انظر النص الكامل للطعون في عددنا يوم أمس) وابتداء من يوم أمس سيبدأ احتساب الاجال القانونية لنظر الهيئة وهي عشرة أيام ويمكن أن يضاف إليها أسبوع ..
وتتكون الهيئة ، كما هو معلوم ، من ستة قضاة والقضاء المباشر بالدستورية أو بعدمه يقتضي أغلبية أعضائها أي أربعة على الأقل لأنه في حالة التساوي صوت رئيسها لا سلطة ترجيحية له، وان حصل التعادل في الأصوات – كما حصل ذلك في مشروع قانون المصالحة الإدارية – فإن الهيئة لا تبت وتكتفي برفع مشروع القانون إلى رئيس الدولة لينظر إما بختمه أو برده من جديد إلى مجلس نواب الشعب
الأعضاء الستة للهيئة بشر ولا نعتقد أنهم يعيشون خارج سجالات النخب الفكرية والسياسية أو أنهم غير مدركين للرهانات الكبرى قانونيا ودستوريا وخاصة سياسيا المرتبطة بهذه التعديلات ، كل هذا طبيعي ما لم يسع بعضهم ، من هنا أو من هناك إلى محاولة فرض ضغوط نفسية أو شخصية أو حتى «ودية» على بعض الأعضاء في اتجاه ضمان مسبق لتصويت الهيئة الوقتية ولكن الصعوبة الأكبر في نظرنا هي في قدرة أعضاء الهيئة الوقتية على التجرد من كل هذه المناخات ومن الضغوط المباشرة أو غير المباشرة إن وجدت وأن يتجردوا من الأهواء والصداقات والاختيارات السياسية والفكرية الشخصية لينظروا بعين القانون المفترض فيها التجرد الأقصى من كل هذه الاعتبارات.
لا يهم إن كان الحكم النهائي مع أو ضد هذه التعديلات في مجملها أو في بعضها،المهم هو القيام بدور الحكم النزيه وتأسيس هذا الدور على قراءة قانونية تحترم منطوق النص ومنطقه أيضا ويكون الإنصاف ديدنها الوحيد سواء سر ذلك الطاعنين أو أغضبهم وفرح به أصحاب مشروع القانون أم استآؤوا منه
شاءت ملابسات تعثرات الانتقال الديمقراطي في بلادنا أن يعهد للهيئة الوقتية بهذا الدور اليوم وما ينبغي أن يطالبها به الجميع هو أن تكون صوت العدل والناطق باسم نصوص القانون والدستور المؤولة لها بما يضمن انسجامها ويؤمن تكريسها لضمان الحريات الأساسية التي قامت عليها الثورة التونسية واجتهد دستور 2014 في تضمينها في مختلف أبوابه ..
أما من يعتقد بأن هذا المسار القانوني قد يسمح له بالتلويح بتأجيل الانتخابات فنقول له أنها «منامة عتارس» لان غياب المحكمة الدستورية يمنع تفعيل الفصل 80 من الدستور «الخطر الداهم» وبالتالي استعمال الفصلين 56 و75 واللذين يفترضان إمكانية تمديد العهدتين البرلمانية والرئاسية نظرا لوجود خطر داهم.. ومادامت هيكلتنا المؤسساتية منقوصة فلا يمكن لأحد أن يستعمل من داخل النص الدستوري – هذين الفصلين وبالتالي يكون كل تأجيل خارج الآجال الدستورية الصريحة (الأيام الستين الأخيرة من المدة النيابية أو الرئاسية) وهو بهذا المعنى دعوة انقلابية فقط ليس إلا حتى وإن لم تحتم بقوة مسلحة.
اليوم نحن أمام امتحان جدي لصلابة مؤسساتنا الحالية ولقدرتها على حسم النزاعات من داخل القانون والدستور لا من خارجهما، مع العلم أن أمر دعوة الناخبين للتشريعية سيصدر عن رئيس الجمهورية لا محالة في غضون الأسبوع المقبل وان باب الترشحات للتشريعية سيفتح يوم 22 جويلية سواء صدرت التعديلات الجديدة بالرائد الرسمي أم لم تصدر ..
وكما قال القدامى : الحيلة في ترك الحيل