في تركيبة الشخصيّة العربية. ولعلّ أهمّ ما توصّل إليه «العظم» من نتائج هو أنّ الشخصيّة العربية تميل ، عند مواجهة الأزمات،إلى إزاحة المسؤولیة عن النفس وإسقاطها على الغیر حتى يتيسّر لها تبرير أفعالها وأقوالها التي تتعارض مع القانون أو الأخلاق. ثمّ إنّ هذه الشخصية لها رغبة في الوصول إلى أهدافها بسرعة متوخية أقصر السبل حتى وإن خالفت الطرق القانونية، وهي تؤثر أيضا العمل الفرديّ على العمل الجماعيّ.
وقد يذهب في الذهن أنّ هذا التوصيف ينطبق على الجيل الذي عاصر هزيمة 67 ولكنّ المتأمّل في سلوك التونسيين اليوم بعدما استبدّت بهم مشاعر الخوف والقلق والكره والحقد...، وطريقة تفاعلهم مع الأحداث وتصرّفهم سرعان ما يدرك أنّ هذا النمط الاجتماعي التقليدي للشخصية العربية ظلّ في الغالب، مهيمنا. فأينما وجّهت نظرك تجد القوم يتذمّرون ويحترفون البكاء على الأطلال علّهم بذلك يستدرون عطف المسؤولين . وكلّما قلّبت الصفحات الفايسبوكية وجدت مشاعر الإحباط والأسى وعجزا عن تصديق الواقع .وما إن تبادر بطرح بعض الحلول أو بتحفيز الناس على العمل والفعل في الواقع من أجل تغييره حتى تفرد «إفراد البعير الأجرب» أو تتهم بأنّك تعيش في برجك العاجي ولا تدرك حجم معاناة التونسيين.
ولكن يجوز لنا أن نتساءل عن موقع المسؤولية الاجتماعية في تونس اليوم فإلى أيّ مدى يشعر التونسيون بأنّ الخروج من الأزمات المركبة ليس موكولا إلى الطبقة السياسيّة وحدها بل هو مسؤولية ملقاة على عاتق الجميع؟ ولم تهمّش كلّ المبادرات التي تكرّس هذا التوجّه ؟
تعرّف المسؤولية الاجتماعية بأنّها استعدادٌ مكتسب لدى الفرد يدفعه إلى المشاركة في أيّ عملٍ تقوم به الجماعة ، والمساهمة، من موقعه، في إيجاد حلّ للمشكلات المتراكمة. فهي فعل يعبّر عن مدى وعي الفرد بأنّه ملزم بالعمل التشاركي وبإيجاد البدائل. وهذا الانخراط في الشأن العامّ هو الذي يجعل الفرد يكتسي صفة 'المواطن المسؤول' الذي لا يتوانى عن تحمّل واجباته الأخلاقية تجاه المجموعة. ولا يخفى أنّ اتّخاذ زمام المبادرة بتنظيف الشوارع وتزيين الأحياء و.. يعكس تشكّل وعي جديد ومختلف: وعي بأهميّة المسؤولية الاجتماعية ودور الفرد في إحداث تغيير ملموس ينبع من الإيمان بضرورة ابتكار الأفكار والعمل الجاد وتحمل المسؤولية.
ولا تكمن أهميّة المسؤولية الاجتماعية في النتائج المترتبة عن ممارستها على المستوى الفردي فحسب بل إنّ لها إيجابيات على المستوى الوطني ككلّ. فكلّما قرّرت بعض الشركات أن تأخذ على عاتقها الاستثمار في البحوث، وترميم عدد من المدارس أو شراء بعض التجهيزات للمستوصفات أو المستشفيات وغيرها ساعدت، من موقعها، في حلّ بعض المشاكل.
غير أنّ تكريس الحسّ بالمسؤولية الاجتماعية، يواجه بعدّة عراقيل لعلّ أهمّها التنشئة الاجتماعية التي مازالت تحافظ على بنية تقليدية لتوزيع الأدوار لا تساعد على تنمية روح العمل التشاركي وتحمّل المسؤولية الاجتماعية. يضاف إلى ذلك أنّ إخضاع أصحاب الشركات والمؤسسات للمساومة والابتزاز وضغط بعض المحتجّين والنقابيين عليهم جعل هؤلاء يعتبرون أنفسهم ضحايا 'النهب' باسم المسؤولية الاجتماعية للشركات، وهو أمر يفسّر نفور عدد من المستثمرين من تمويل بعض المشاريع التي كان بإمكانها أن تساهم في تذليل بعض المصاعب.
أمّا الوجه الآخر لغياب الحسّ بالمسؤولية الجماعية فيتمثّل في تنصّل أصحاب الشركات من تحمّل مسؤولياتهم كاملة. فكم من مقاول أنهى التشييد وترك وراءه ركاما من مواد البناء التي تلوّث المحيط وكم من شركة ألقت بالفضلات متسبّبة في الإضرار بالعباد والبيئة...
من واجب الدولة أن تتحمّل مسؤولياتها ولكن من واجب الأفراد أيضا أن يكونوا على قدر من الوعي يجعلهم ينخرطون في العمل الجماعي ويبادرون بإيجاد الحلول والمشاركة في تغيير الواقع المتردي. وما لم ينتبه التونسيون إلى أهميّة تكريس المسؤولية الاجتماعية فسيتواصل الإحساس بالعجز والإحباط وستستمر المساعدات المتدفقة من هذا البلد أو ذلك رأفة بقوم عجزوا عن النهوض بعد الكبوة.