بعد استنجاد الهايكا بالقوة العامة لحجز معدات قناة «نسمة»: في ضوابط حرية المؤسسات الإعلامية

لا نعتقد بأن أحدا قد استبشر بحجز معدات التصوير والبث لقناة «نسمة» وذلك أيا كانت التقييمات

المهنية والسياسية لأداء القناة ولخطها التحريري. وإيقاف قناة تلفزية عن البث يمثل ولاشك ،فشلا للمنظومة الإعلامية في شكلها العام ..
ولكن لا ينبغي أن نغفل أيضا عن كل منعرجات المسار التي أدت إلى هذا القرار الأخير للهايكا ..

لقد رفضت بعض القنوات التلفزية والإذاعية الاعتراف بالدور التعديلي للهايكا (الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري ) سواء بالتحدي العلني أو بالتغاضي أو بالسعي لربح الوقت ..

تكمن القضية الأساسية هنا : هل نعترف بالسلطة التعديلية للهايكا أم لا ؟ وفي صورة رفضنا لهذه السلطة التعديلية بأية تعلة من التعلات فمن هي السلطة التي ستعدل المشهد السمعي البصري ؟ هل يعني هذا أن يسمح لكل قناة تلفزية أو إذاعة بأن تفعل ما تريد دون حسيب أو رقيب ؟

يمكن أن نرى في القانون المنشئ للهايكا ثغرات أو مسائل خلافية ويمكن أن نعتقد أن بعض قرارات الهايكا غير سليمة ولكن هل يخول لنا كل هذا أن نخرق القانون ونعلن حالة العصيان عن الهيئة الوحيدة التي خول لها القانون تعديل المشهد السمعي البصري؟!

لا يمكن أن نبحث عن سبل للإصلاح ولضمان أوسع مجال ممكن للتعددية الإعلامية دون ضبط حد أدنى لقواعد حوكمة هذا القطاع الحساس والأساسي في الانتقال الديمقراطي..

لا يمكن أن نصلح وضعية مأساوية كغلق قناة دون إقرار مشترك ومقبول من الجميع بهوية الحَكَم الذي سنلجأ إليه في صورة حدوث خلاف ، كما لا يمكن أن يقبل بأي شكل من الأشكال بسياسة المكيالين : قناتان تقترفان نفس المخالفة : الأولى (نسمة) تمنع من البث والثانية ( الزيتونة) تحمى من قبل احد أحزاب الحكم والمقصود هنا هو حركة النهضة تحديدا وهذا يحمل السلطة التنفيذية مسؤولية كبيرة إذ تبدو في هذه الحالة وكأنها تستعمل القانون فقط لضرب خصومها لا لإنفاذه بغض النظر عن هوية موقف المستهدف بإنفاذ القانون عليه ..

لا يخفى على احد أننا نعيش تداخلا موضوعيا بين القرارات التعديلية للهايكا وتحرك السلطة التنفيذية الآمرة للقوة العامة ولكن هذا لا يعني بالمرة ارتهان الهايكا للسلطة التنفيذية بل نجد في كل قراراتها وبياناتها حرصها على استقلاليتها. والهايكا لم تكن لينة بالمرة مع الحكومة كلما دعتها الحاجة لذلك ولكن التداخل الموضوعي حاصل والخصومة بين قناة «نسمة» والحكومة واضحة وغير خافية على أحد ولا نعتقد انه من مصلحة الانتقال الديمقراطي أن يتحول هذا التزامن الموضوعي إلى اعتقاد بأننا إزاء تصفية حسابات سياسية ..

إن الحرص على إنفاذ القانون لا ينبغي أن يكون على حساب التعددية الإعلامية الضرورية ولكن لا يمكن لأحد أن يقبل غياب كل تعديل لقطاع بمثل هذه الحساسية ..الحل حسب راينا يكمن في إعلان كل القنوات المخالفة لكراس الشروط الذي وضعته الهايكا ثم إرجاع البث المباشر وإعطاء مهلة جديدة ومعقولة لكل القنوات حتى تلتزم بما جاء في كراس الشروط..

ليس من مصلحة احد أن نحول تطبيق القانون الى عملية لي دراع سياسية سيخسر فيها الجميع ..

نريد ان نتعظ من كل أخطائنا وألا يصر بعضنا على الخطأ وأن يطبق القانون على الجميع بالعدل والقسطاس ..

لا احد يقبل بغلق قناة اليوم وفي اعتقادنا هنالك طرق عديدة لفرض القانون دون اللجوء الى إيقاف البث..كما لا يقبل أن نقبل بأن يتغول احد على القانون باي داع كان.. بين هذا وذاك الحل واضح ويمكن أن يحفظ حقوق الجميع دون إفراط او تفريط.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115