نحن والجزائر وتحديات المصير المشترك

الحدث الأبرز اليوم عربيا، وما أكثرها الأحداث الهامة في منطقتنا ، هو بلا منازع الحراك الديمقراطي في الجزائر الذي يعيش للأسبوع السادس

على التوالي مسيرات شعبية ضخمة مطالبة بالديمقراطية وبمرحلة انتقالية لا تتحكم فيها منظومة الحكم الحالية ..

التاريخ لا يعيد نفسه ولا وجود لتجربة مثالية تنسج على منوالها الأمم والشعوب ، فلكل شعب عبقريته الخاصة ولكل وضعية مناخات لا تتكرر.. ولكن هنالك جوانب مشتركة في التجربة الإنسانية ، فما هو حاصل اليوم في الشقيقة الغربية هو تحول الشارع إلى قوة سياسية فاعلة.. قوة وازنة ومحددة لمصير شعب بعدما كانت كل القرارات تطبخ وتدار خارج إرادته .
التاريخ ليس مكتوبا سلفا ولكن الأكيد أن تاريخ الجزائر من هنا فصاعدا لن يكتب خارج إرادة الشعب وتعبيره الحر عبر صندوق اقتراع شفاف..

لا أحد يستطيع أن يستشرف مجريات الأمور في الأيام القليلة القادمة ولكن هنالك حقيقة واحدة : لا يمكن داخل الجزائر أو خارجها إرجاع الأمور إلى سالف عهدها والمقايضة التاريخية المطلوبة لبدء مسار انتقال ديمقراطي فعلي ستنبجس من رحم هذا الحراك ولن تكون على شاكلة أي منوال سابق ..
ما يجري في الجزائر اليوم يخاطبنا مباشرة نحن التونسيين وكل المغاربيين كذلك ويطرح علينا أسئلة صعبة : كيف نتعامل مع هذا الحراك؟ وكيف نميز بين التضامن الأخوي والإنساني الضروري وهواجسنا الخاصة سواء تعلق الأمر باسداء «نصائح» لم يطلبها أحد أو بالتعبير عن «مخاوف» لا تهم إلا أصحابها ؟
ما يجري في الجزائر مسألة جزائرية ولاشك ولكنها أيضا مسألة كونية ومسألة مغاربية وهي لن تفتح فقط آفاقا جديدة لجارتنا الغربية ولكن أيضا – وهذا ما يعنينا بالأساس – لكامل دول المغرب العربي الخمس ..

لقد حلم أجدادنا في ثلاثينات القرن الماضي بمغرب عربي موحد عندما كانت كل أقطارنا قابعة تحت الاستعمار الفرنسي أو الايطالي أو الاسباني وتواصل الحلم ولكن نظم دول الاستقلال – أو بعضها – قد أفرغته من مضمونه وخسرت شعوبنا كلها جراء حسابات ضيقة لمنظومات فرصا كبيرة للاندماج وللازدهار المشترك ..
ولكن الحراك الديمقراطي في الجزائر اليوم يعيد فتح باب الممكن التاريخي على مصراعيه ويجعل من فكرة مغرب عربي ديمقراطي ومتضامن ومندمج ومزدهر أفقا تاريخيا ممكنا بل ومتاحا ..

ما نقوله لا يندرج ضمن تصور ملائكي للانتقال الديمقراطي فنحن نعلم أكثر من غيرنا في تونس كل صعوبات واكراهات وانزلاقات الانتقال الديمقراطي وأن مرحلة اللااستقرار النسبي التي تنجم عنه بحكم ضعف الدولة وتراجع نفوذها الوقتي قد تبعث اليأس في النفوس من امكانية الاصلاح ، ولكن نحن نتحدث عن الآفاق الإستراتيجية التي يفتحها الانتقال الديمقراطي في بلد يحتل موقعا مركزيا جغرافيا وديمغرافيا في المغرب العربي ..

لاشك أن الأيام والأسابيع القادمة ستكون دقيقة للغاية وتضامن كل المغاربيين مهم للغاية لا للتأثير على مآلات هذا الحراك بل لدعمه ولكي نقول لكل المطالبين بالديمقراطية في الجزائر بأن لهم سندا وتعاطفا عند نخب وشعوب كل بلدان المغرب العربي وأننا جميعا منفتحون على كل أشكال التعاون والتضامن اليوم من اجل بناء ديمقراطي مشترك غدا وأن الجزائر لن تترك لوحدها وأنها ستجد ، متى طلبت ، التضامن الفعلي والفعال من قبل كل أشقائها وأن قضية المتظاهرين اليوم في كل مدن وقرى الجزائر هي قضية كل المحبين للحرية وأن مطلب تنمية عادلة ورفاهية مشتركة هو مطلب كل شعوب ونخب المغرب العربي..

هنالك منعرج جديد في منطقتنا يجعل من الديمقراطية أفقا ملموسا لنا جميعا في موريتانيا والمغرب الأقصى والجزائر وتونس وليبيا رغم كل الصعوبات والأزمات التي تعيشها دولنا الخمس ..
إننا إزاء تجديد جوهري لمطلب الأجداد الذين حلموا زمن الاستعمار بمغرب عربي موحد.

يحق لنا أن نحلم من جديد .. حوالي مائة مليون شخص وحدت بيننا الجغرافيا وقسمتنا ملابسات التاريخ والحاضر ويمكن أن توحد بيننا غدا ديمقراطية إدماجية عادلة بالاضافة إلى كل العناصر العميقة التي توحدنا جميعا..
والآن علينا جميعا أن ندعم الانتقال الديمقراطي في الجزائر وأن نكثف من كل عمليات التشبيك بين الشباب والمثقفين والناشطين في المجتمع المدني والفاعلين الاقتصاديين لنبتكر معا سبل دعم الديمقراطية وتوفير شروط نجاحها ..
هذا واجبنا اليوم جميعا لا إزاء الجزائر فقط بل إزاء كل منطقتنا وأجيالها القادمة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115