الجزائر : نهاية الرئيس أم نهاية النظام ؟ !

تحولات هامة ومتسارعة تجري هذه الأسابيع بالجزائر بدءا برفض ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة

منذ ما يزيد عن الشهر وصولا الى يوم أمس برفض واسع للمقترح المفاجئ للمؤسسة العسكرية والقاضي بتفعيل الفصل 102 من الدستور الذي ينص على شغور في منصب رئاسة الجمهورية بحكم المرض الخطير المزمن .

في ساعات قليلة انتقلنا من آخر مقترح للخروج من الأزمة الخانقة ضمن المؤسسات القائمة إلى البداية الفعلية للبحث عن حل مبتكر يدخل الجزائر فعليا في مرحلة انتقالية لا تنهي فقط حكم الرئيس بوتفليقة والذي فقد آخر وأهم مسانديه إلى انتقال ديمقراطي فعلي لا تتحكم فيه المنظومة الحاكمة ، وعلى رأسها الجيش ، لوحدها ..

منذ أسابيع قليلة كان احتجاج جموع الجزائريين على ترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة ، لا انتقادا جذريا لحصيلته على امتداد عقدي حكمه – في البداية على الأقل – ولكن شعورا بالمهانة من تقديم منظومة الحكم لرجل أصيب بجلطة دماغية منذ سنة 2013 وغير قادر على مخاطبة شعبه منذ تلك الفترة ..

للشارع ديناميكية خاصة عندما يصبح لاعبا سياسيا أساسيا كما هو الحال في الجزائر اليوم ومطالبه تتطور وتنضج بتعاظم الاحتجاج وبصلابته وبشعور القوة المتزايد الذي يحركه فبدأت منظومة الحكم في الارتباك والتراجع وخيرت سياسة القطرة قطرة فمن عهدة خامسة مطلقا إلى عهدة خامسة تكون فيها انتخابات مبكرة بعد ندوة وطنية لإعداد دستور جديد وللإشراف العام على انتخابات ليتعهد بوتفليقة بعدم الترشح لها فإلغاء للانتخابات والآن طلب قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح من المجلس الدستوري تفعيل المادة 102 من دستور الجزائر والقاضية بعرض ثبوت المرض الخطير المزمن والذي يمنع رئيس الجمهورية من ممارسة مهامه على البرلمان بغرفتيه ، أي مجلس الأمة ومجلس الشيوخ ، للتصويت بأغلبية ثلثيه على ثبوت هذا المانع وتكليف رئيس مجلس الأمة برئاسة الدولة بالنيابة لمدة أقصاها 45 يوما وإذا ما استمر هذا المانع يتم إعلان حالة الشغور «بالاستقالة وجوبا» وتنظم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها في اجل أقصاه 90 يوما ..

كان الفريق قايد صالح يعتقد انه بمقترحه هذا سينهي الأزمة ويسمح بحلها سياسيا من داخل المؤسسات القائمة ولكن في الأثناء تطورت بوضوح مطالب الشارع الجزائري من مجرد منع عهدة خامسة إلى ضرورة رحيل النظام بأسره وأن الحراك الديمقراطي لن يقبل بأن يترك لرجال النظام وللمؤسسة العسكرية إدارة هذه المرحلة حتى لا يلتف عليها ولا يعيد إنتاج نفسه عبر تغيير الأشخاص والإبقاء على نفس السياسات والمصالح ..

ما يحدث في الجزائر اليوم ليس مجرد احتجاجات على وضعيات خاصة انه مطلب ديمقراطي عميق ، أي المشاركة الفعلية في السلطتين المادية والمعنوية بما يستوجب تغييرا جذريا في حوكمة البلاد وانخراطا فعليا في مسار ديمقراطي واجتماعي .. ولكن بالطبع لا نعتقد أن جل القوى الداعمة والواقفة لهذا الحراك الشعبي تطالب بالإسقاط الكامل والجذري لمنظومة الحكم لأن هذا يعني ببساطة حربا أهلية غير مضمونة العواقب ، بل يريد حوكمة جديدة وخارج الأطر المضبوطة سلفا لانتقال ديمقراطي فعلي لا يسيطر عليه رجالات بوتفليقة ..

الجزائر اليوم أمام هذا الاختيار  وسوف تبدع ضرورة طريقها الخاص نحو الانتقال الديمقراطي .. المهم هنا هو إيجاد المقايضة التاريخية التي تخدم مصلحة الجزائر ومصلحة الانتقال الديمقراطي فالجديد لا ينشأ في قطيعة مطلقة مع القديم بل من رحمه وفي صراع معه.. هذه هي الجدلية الخلاقة التي تحافظ على وحدة البلاد مع تغيير جذري ولكنه تدريجي لحوكمتها السياسية والاقتصادية ..

لا احد يدري كيف سيُصنع تاريخ الجزائر وأي طريق سينتهجه انتقالها الديمقراطي وهل ان المقايضة التاريخية ستكون يسيرة أم عسيرة ولكن حدسنا انه لو استقال الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الآن فسييسر كثيرا المرحلة القادمة بدءا باختصار اجل 45 يوما الواردة بالمادة 102 من الدستور الجزائري ، ولكن استقالته لن تكون مجدية إلا متى تم الاتفاق على تجاوز لفظ الدستور الحالي والتفاهم حول حوكمة مشتركة للمرحلة القادمة الممهدة لانتخابات جديدة..

في الجزائر اليوم ، كما كان الشأن في تونس ، الممكن التاريخي مفتوح على مصراعيه بايجابياته الكبيرة ومخاطره الجسيمة والجزائريون بإمكانهم الاستفادة من كل التجارب التي سبقتهم حتى يتجنبوا أخطاء غيرهم ويختاروا وفق عبقريتهم الخاصة الطرق المثلى لانتقال ديمقراطي سلس..
جزائر ديمقراطية ستكون مكسبا كبيرا لمنطقتنا وأملا لشبابنا ..

رياح الحرية ما أجملها ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115