صعود اكده سبر آراء نوايا التصويت لسيغما كونساي والذي نشرناه بعددنا ليوم أمس حيث يأتي الحزب الدستوري الحر في نوايا التصويت للتشريعية في المرتبة الخامسة بـ%9.2 وتصبح رئيسته في المرتبة الرابعة في سباق الرئاسية بـ%7.1 من نوايا التصويت .. ولا أحد يعلم اليوم ونحن على بعد نصف سنة من الماراطون الانتخابي إلى أي سقف سيقف هذا الصعود ..
خطاب عبير موسي واضح : إنها ضد الثورة وضد كل مخرجاتها ومشروعها السياسي لا يندرج البتة فيها بل هو مواصلة للمرحلة التجمعية النوفمبرية التي تعتز بها عبير موسي وتباهي بها .. وهي الزعيمة السياسية الوحيدة التي تقول: «خوانجية» عند حديثها عن النهضويين وتدعو إلى حظر هذا الحزب ومحاكمة قياداته كما تعتبر أن الحقوقيين هم أيضا كارثة هذه البلاد وعملاء للقوى الأجنبية والحل عندها هو في عودة نظام رئاسي قوي لحماية الوطن من الاختراق الخارجي ولتنمية البلاد عبر استرداد هيبة الدولة ومكانتها ..
والغريب في الأمر أن جل القيادات الهامة في التجمع المنحل والتي انخرطت فيما بعد في العمل السياسي زمن الثورة قد عبرت كلها بصيغ مختلفة عن انخراطها في المنظومة الجديدة إلا عبير موسي فقد أكدت منذ البداية عن رفضها الكامل والقطعي لما حصل في البلاد، ولكن هذا الخطاب الذي لم يكن يصغى إليه سنة 2011 وما بعدها أصبح يغري الآن ويجلب له لا فقط المتحسرين على ذهاب المنظومة النوفمبرية بل وكذلك بعض الفئات الشعبية والكثير ممن تصوروا انه بإمكانهم التأقلم في تونس الجديدة هذه..
ورغم أن عبير موسي تريد السير النعل حذو النعل على خطى بعض القيادات التجمعية السابقة وتمتطي الجواد تقليدا للزعيم بورقيبة وتستقبل بالطار والبندير والزكرة كما كان يحب بن علي إلا أن هذه الجوانب الفلكلورية المنتمية لزمن قد ولّى واندثر لا تزيدها إلا جاذبية وفرادة عند أنصارها المتكاثرين..
لاشك أن عبير موسي تقتات من كل فشل إضافي لمنظومة الحكم بل وهي المستفيدة الأبرز من مصاعب الحركة الإسلامية اثر كشف هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي عن معطيات تفيد بوجود تنظيم سري قد يكون ضالعا في الاغتيالات وهذه مفارقة أخرى إذ كنا نعتقد بان الجبهة الشعبية هي الأكثر استفادة من كشف هذه المعطيات ولكن العكس هو الذي حصل إذ بقدر ما تُتّهم الحركة الإسلامية يزداد أنصار عبير موسي والحزب الدستوري الحر .. ويبدو أن كل الانتقادات الموجهة إليها كاتهامها بالشعبوية والفاشيستية والاستفادة الشخصية من المنظومة القديمة ، كل هذا يمر عليها – إلى حد الآن – مرور النار على جسد إبراهيم ..
ولكن ، في المقابل ، من هو جمهور عبير موسي وما هي قاعدتها الانتخابية الحالية ؟
عندما نسأل الذين يعبرون عن نيتهم للتصويت للحزب الدستوري الحر في الانتخابات التشريعية السابقة عن الحزب الذي صوتوا له في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 نكتشف التالي :
خمس الذين صوتوا لنداء تونس في 2014 (%20.6) يقولون اليوم أنهم سيصوتون اليوم للحزب الدستوري الحر وعلى سبيل المقارنة %27.7 من الذين صوتوا للنداء في 2014 ينوون تجديد التصويت له اليوم في حين يذهب %13.4 منهم إلى حزب تحيا تونس و%10.4 للجبهة الشعبية وهذا يؤكد أن ثلاثة أحزاب على الأقل تتنافس على وراثة القاعدة الانتخابية لنداء 2014 وهي النداء الحالي أولا فالحزب الدستوري الحر ثانيا وتحيا تونس ثالثا ..
صحيح أن الحزب الدستوري الحر يستفيد جزئيا من تحول التصويت لبعض القائمات الأخرى ولكن استفادته الأساسية تأتي من ندائيي 2014..
وعندما نقارن نوايا التصويت اليوم بحقيقة التصويت في الدور الثاني لرئاسية 2014 نرى أيضا أن الحزب الدستوري الحر يحصل على حوالي خمس الذين صوتوا للباجي قائد السبسي (%18.9) مقابل %22.8 للنداء الحالي و%14.6 لتحيا تونس..
أما لما نقارن نوايا التصويت اليوم بأحدث انتخابات جدت بالبلاد وهي بلديات ماي 2018 فنرى أن ثلث المصوتين للنداء (%32.4) يحافظون على نفس التصويت بينما يتحول الثلث الآخر تقريبا بالتساوي إلى الحزب الدستوري الحر %16.9 وتحيا تونس بـ%15.5.
فالهام هنا أننا لسنا أمام قاعدة انتخابية جاءت بالأساس من الذين قاطعوا التصويت بل من الجسم الانتخابي الندائي أساسا أي من صنف راهن على النداء لإبعاد النهضة عن الحكم ففوجئ بتوافق الشيخين ولم يعد يثق بالنداء اليوم عندما يريد أن يدعي من جديد انه هو وحده الضامن ضد تغول محتمل للنهضة غدا..
ولكن اللافت للنظر في هيكلة المصوتين لعبير موسي ولحزبها هو ما يحصل في نوايا التصويت للرئاسية وعندما نقارنها بطبيعة تصويت العينة في تشريعية 2014 والدور الثاني لرئاسية 2014 وبلديات 2018 ، ففي كل هذه المستويات تتفوق عبير موسي على الباجي قائد السبسي وهذا معطى على غاية كبيرة من الأهمية ..
عند الذين صوتوا للنداء في تشريعية 2014 نجد أن %14.4 منهم يقولون بأنهم سيصوتون لعبير موسي في الرئاسية اليوم مقابل %10.3 فقط للباجي قائد السبسي وعندما نقارن التصويت في الدور الثاني للرئاسية في 2014 نجد كذلك تفوقا لعبير موسي على الباجي قائد السبسي بـ.%14.1 مقابل %9.8..
بطبيعة الحال في كل هذه الحالات يتقدم يوسف الشاهد على الجميع ولكن المهم أن عبير موسي تتمكن من افتكاك جزء من ناخبي الباجي قائد السبسي، جزء اكبر مما تبقى للمعني بالأمر..
ما يمكن قوله هنا أننا أمام ظاهرة جديدة قوامها ان جزءا من القاعدة الانتخابية للنداء وللباجي قائد السبسي في انتخابات 2014 قد تحول الى عبير موسي والى حزبها باعتبارها الأكثر معارضة للإسلام السياسي مع حنين واضح للمرحلة النوفمبرية تحت شعار «البارح كنا خير» وعندما نعلم ان هذا هو شعور أغلبية التونسيين ندرك لماذا نرى هذا الصعود المدوي لعبير موسي ولحزبها ، والتصويت لهما ليس لبرنامج مخصوص بل هو لهوية قوية قوامها العداء للثورة ولكل مخرجاتها ..
صعود قبيل نصف سنة من الانتخابات لا ندري هل سيتواصل الى يوم الاقتراع أم لا ؟
الأكيد على كل حال أننا أمام احدى أهم شفرات الانتخابات القادمة ..