بعد 213 يوما: الانتخابات التشريعية

• نجاح في تحديد نهائي لروزنامة الانتخابات التشريعية والرئاسية وفشل متكرر في انتخاب 3 أعضاء للمحكمة الدستورية


مفاجأة صغيرة حصلت يوم أمس إذ اختارت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أول أيام أحد شهر أكتوبر القادم (يوم 6 أكتوبر تحديدا) لإجراء الانتخابات التشريعية مقابل رأي كان يبدو راجحا بإجرائها في آخر يوم أحد لنفس الشهر (يوم 27 أكتوبر ) ويبدو أن الأزمة السابقة لهيئة الانتخابات قد مرت من هنا إذ دافع الرئيس الجديد للهيئة نبيل بافون عن الموعد الثاني ولكن مجلس الهيئة اختار في نهاية الأمر الموعد الأول في رسالة واضحة إلى الرئيس الجديد انه لا يملك الأغلبية داخل المجلس في تحديد الاختيارات الرئيسية للهيئة وفي مقدمتها مواقيت الانتخابات ..

المهم اليوم على كل حال انه تفصلنا بالضبط سبعة أشهر عن التشريعية وثمانية أشهر عن الرئاسية وأن المسارين الانتخابيين قد تحددا بصفة نهائية ولا رجعة فيها ..

ولكن في نفس الوقت وعلى بعد كيلومترات قليلة يفشل مجلس نواب الشعب مجددا وللمرة الثالثة في انتخاب ثلاثة أعضاء من أصل أربعة للمحكمة الدستورية مفشلا بذلك وبصفة تكاد تكون نهائية تركيز هذه المحكمة في ما تبقى من هذه العهدة الانتخابية لأنه يتوجب اليوم إعادة كل المسار برمته من فتح باب الترشحات ودرس كل الملفات ثم تقديم الترشحات المقبولة إلى الجلسة العامة ، أي بعبارة أوضح لقد اختارت بعض الكتل الفاعلة (وفي أحسن الأحوال) تأجيل حسم استكمال البرلمان لانتخاب الأعضاء الأربعة للمحكمة الدستورية إلى ما بعد الانتخابات القادمة .

ترى لم نجح النواب في التجديد الثلثي لأعضاء هيئة الانتخابات وفشلوا عندما تعلق الأمر بالمحكمة الدستورية ؟

الجواب واضح: كتل الأغلبيات (نقول كتل لا نواب) التي تداولت على الحكم خلال هذه العهدة البرلمانية (النهضة والائتلاف الوطني والمشروع والنداء ) لم ترد ولا تريد قيام محكمة دستورية تأخذ بعين الاعتبار التوازنات السياسية بينها الحالية أو السابقة .. والكل يخشى من تغول الأطراف الأخرى على هذه المحكمة التي ستكون لها الكلمة الفصل في كل ما يهم انسجام ترسانتنا القانونية بجميع طبقاتها المتراكمة مع دستور البلاد علاوة على مهامها الأخرى الأساسية التي يضبطها الدستور وقانونها الأساسي ..

ولكل هذه الأحزاب حساباتها ولكن أسوأ حساب سياسي هو ذلك الذي قام به نداء تونس لأنه أراد أن يحصد كل شيء ، فلم ينبهّ شيء فلقد أخل بتوافق سابق كاد يؤدي بنا في السنة الفارطة إلى تجاوز الأزمة ولكنه تنكر لالتزام مكتوب ولم يصوت إلا لمرشحته فقط والتي فازت بالمقعد الوحيد في هذه المحكمة إلى حد الآن بما يفيد بأن كتل الحكم والمعارضة الأخرى قد التزمت بذلك التعهد..

حساب خاطئ لأن النداء كان يملك جل خيوط اللعبة مقابل تنازلات بسيطة في البرلمان خاصة وأن تركيبة المجلس الأعلى للقضاء والتي ستنتخب الثلث الثاني للمحكمة الدستورية ليست معادية له بل لقد ثمن هذا الحزب انتخابها في وقت سابق ثم يبقى لرئيس الدولة ، مؤسس النداء ، استكمال تشكيلة المحكمة بما يعطي للنداء أو لرئيسه المؤسس اليد الطولى في اختيار جل الأعضاء والأفضلية المعنوية في تركيز هذه المؤسسة المحورية في الديمقراطية ..

ولكن حسابات غير مفهومة دعت حزب الرئيس إلى التفريط الكلي في كل هذه المكاسب..

حسابات حركة النهضة مختلفة إذ أصرت كل الإصرار على ترميم هيئة الانتخابات وقدمت في ذلك بعض التنازلات ولكنها لم تبد أية حماسة لتركيز المحكمة الدستورية لا قبل هذا الموعد ولا يوم أمس ولعل الحركة الإسلامية تنتظر البرلمان القادم لعل توازناته السياسية تكون أفضل بالنسبة إليها ..

وربما يكون الأمر كذلك ، وإن كان ذلك بأقل وضوح ، عند كتلة الائتلاف الوطني وكذلك كتلة الحرة لمشروع تونس سواء أكان ذلك بالاعتراض على بعض الأسماء (المشروع) أو الطموح لتحسين شروط تفاوض مقبل (الائتلاف) ..

ولكن كل هذا لا يعني بطبيعة الحال ان كل نواب المعارضات قد احترموا التوافقات ولا أنهم كلهم صوتوا وفق هذا ولكن ما دام التصويت سريا فلا يمكن إلا أن نستنتج بدقة في الجزئيات ، وهذا يعني كذلك أن من كتل الاغلبيات المتعاقبة من حرص على الانجاز ومنهم من ناور وينتظر موازين سياسية أفضل ..

لنقل منذ الآن أن وجود المحكمة الدستورية على أهميته القصوى ليس شرطا ضروريا لقيام الانتخابات القادمة ..

مهما يكن من أمر فستذهب البلاد إلى انتخابات عامة قد تغير كثيرا من المشهد الحالي ولكن الأساسي هو في حسن استعداد الجميع وفي ضمان الحد الأدنى المقبول من التنافس النزيه والسيطرة على المال الفاسد والإعلام المستقل في الظاهر والمنحاز حزبيا او شخصيا في حقيقته ..

213 يوما قد تغير وجه تونس ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115