عبد العزيز بوتفليقة شعارها المركزي ، والواضح أن هذه الحركة لن تخفت حتى بعد وعد الرئيس الجزائري في رسالة قرأها عبد الغني زغلان إبّان إيداع ترشحه يوم أمس بعقد ندوة وطنية وتنقيح الدستور وانتخابات رئاسية مبكرة لا يترشح لها ، كل هذا لم يمتص،إلى حد الآن ، غضب الشارع الجزائري والذي بدأت مطالب بعض المحتجين فيه تنتقل من التصدي لعهدة خامسة إلى المطالبة بإسقاط كامل منظومة الحكم ..
لا أحد يمكنه اليوم التنبؤ بما سيحصل في الشقيقة الجزائر فللحركات الاجتماعية ديناميكية لا تخضع لتخطيط مسبق وقد تفرز معطيات جديدة تتجاوز رغبات أصحابها .. ولكن الواضح أن الوضع في جارتنا الغربية لا يمكن أن يستمر على هذه الوتيرة وأن المستقبل لم يكتب بعد..
منذ سنوات قليلة كان كل الدارسين والديبلوماسيين يقولون أن البلد المغاربي الأكثر عرضة للااستقرار هو الجزائر رغم كل المظاهر البادية للهدوء وذلك لأن منظومة الحكم لم تتمكن من التجدد ومن الإعداد لبديل لرئيس لم يعد بإمكانه ممارسة الحكم بصفة عادية منذ سنة 2013..
يبدو أن النظم شبه التسلطية في المنطقة العربية لا تعرف كيف تستبق الأزمات لأنها ببساطة لا تعلم كيف تجدد نفسها ولم تدرك بعد أنها تعيش في زمن المتغيرات السريعة وأن كل الشعوب تطمح إلى المشاركة الفعلية في الخيرات المادية والسلطات الرمزية ..
لقد كان بإمكان منظومة الحكم الجزائرية أن تستعد خلال هذه العهدة الرابعة للقيام بالإصلاحات الاقتصادية والسياسية الضرورية لضمان الحد الأدنى المقبول من المشاركة الشعبية ومن فرص التمكين الاقتصادي خصوصا بالنسبة للشباب ولكن شيئا من ذلك لم يحصل وبدت وكأنها هي وحدها المتحكمة في الزمن السياسي والاجتماعي الجزائري ..
في الحقيقة كان الاعتقاد سائدا بأن العائدات النفطية والغازية قادرة لوحدها على شراء سلم اجتماعية بصفة دائمة ولكن رغم كل مجهودات الحكومات المتعاقبة خلال هذين العقدين الأخيرين لم تتمكن الجزائر من تنويع اقتصادها وبقيت مرتبطة بصفة تكاد تكون كلية بعائدات المحروقات وإن أقدمت هذه الحكومات على القيام بأعمال هامة في مجال البنية التحتية والسكن الاجتماعي ولكنها لم تقدر على القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية للخروج من وطأة الاقتصاد الريعي إلى نسيج متعدد ومتنوع صناعيا وخدماتيا ولا استثمرت كذلك إمكانياتها الضخمة فلاحيا فبقيت تحت رحمة أسعار النفط في السوق العالمية تنتعش خزينتها بانتعاشها وتتراجع قدرتها التنموية بتراجعها ..
وفي الحقيقة ورغم خصوصيات كل بلد عربي ومغاربي باستثناء دول الخليج تبقى طموحات الشعوب وخاصة الشباب هي نفسها وتتمحور حول شعارين أساسيين يلخصان كل شيء : الحرية والكرامة أي ذلك الطموح المشروع لتقاسم الخيرات المادية والرمزية ..
لقد سادت نظم عديدة لعقود بعنصري الخوف والزبونية وبمقايضة الاستقرار بدل الفوضى التي قد تنجم عن حرية منفلتة ولكن عامل التخويف قد تراجع كثيرا وللشعب الجزائري في ذلك تجربة كبيرة كما أن الاستقرار السياسي الظاهر لم يخلق النمو الاقتصادي المطلوب كما هو الحال مثلا في دول أسيوية عديدة ..
تعيش الجزائر اليوم أمام تحد كبير وهو المحافظة على الاستقرار والذي دفعت في سبيله ثمنا غاليا في العشرية السوداء ولكن في سياق ديمقراطي وتنموي كذلك ، سياق يلبي طموحات أكثر من 40 مليون جزائري ويخرج البلاد في ظرف معقول وبفضل مخزوناتها الهامة من العملة الأجنبية من الاقتصاد المعتمد أساسا على المحروقات إلى اقتصاد متوازن بين القطاعات الثلاثة الأساسية : الصناعة والخدمات والفلاحة ..
اليوم لا حل أمام كل الجزائريين سوى البحث عن الخروج الايجابي من هذه الأزمة : أي تغيير سياسي حقيقي لا شكلي والانخراط الفعلي في مسار ديمقراطي لا يهدد الاستقرار الأمني للبلاد ويحقق انتقالا ديمقراطيا فعليا ..
تحتاج الجزائر اليوم ، كبلدان عديدة سبقتها ، الى صفقة تاريخية جدية حتى ينبجس الجديد دون تهديم مكاسب البلاد وهذا يحتاج الى حوار فعلي بين الشخصيات البارزة في منظومة الحكم الحالية وزعامات المعارضة من اجل رسم خارطة طريق متفق حولها وعندها ما يكفي من ضمانات الانجاز . فأسوأ ما قد يحصل في الجارة الشقيقة هو أن تستفيد المجموعات الارهابية المتبقية من هذا الطموح المشروع نحو التغيير الديمقراطي..
الأفضل للجزائر وللمغرب العربي ان تشهد البلاد انتقالا ديمقراطيا فعليا وسلسا وفي أسرع الأوقات ، خارطة طريق تقنع الشباب والنخب الجزائرية وتحقق التغيير الذي ينشده كل إخواننا بجارتنا الغربية ..
الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة لا فقط للجزائر ولكن لكل المنطقة المغاربية ..
يحق لنا جميعا أن نحلم بمغرب عربي موحد وديمقراطي يحلو فيه العيش ويرعى فيه الأمل وتندثر منه كل جماعات الارهاب..