الباجي قائد السبسي وحلم ولاية ثانية: أترشح .. لا أترشح .. أترشح .. لا أترشح ..

سؤال تتداوله كل حلقات تونس السياسية : هل سيترشح الباجي قائد السبسي لعهدة انتخابية ثانية ؟ ترشح يرجوه البعض ويخشاه

آخرون ولا يكترث به قسم ثالث .. ولكن هل حسم المعني بالأمر المسألة أم أنه مازال مترددا بين الايجاب والسلب ؟ محاولة لسبر النوايا الدفينة لساكن قرطاج ولآليات الترجيح التي سيعتمدها في الأخير قبل الإعلان الرسمي للترشح من عدمه ..
عندما أعلن الباجي قائد السبسي في أفريل 2013 ترشحه للانتخابات الرئاسية لم يكن يدور بخلده أنه قد يجدد ترشحه في صورة فوزه في 2014، ولكن منذ أواخر سنة 2016 طفت فكرة عهدة ثانية لساكن قرطاج من دوائر سياسية وعائلية مقربة منه والفكرة انبنت آنذاك على تحليل بسيط: لا أمل لنداء تونس في تجديد تجربة الحكم دون ولاية ثانية لرئيسه المؤسس خاصة وان هذه الدوائر التي عملت جاهدة على إنجاح مسار «التوريث الديمقراطي» كانت تدرك جيدا ان النجل المؤهل لخلافة أبيه يحتاج إلى وقت أطول حتى يحكم سيطرته على حزب والده وحتى يجعل من ترشحه لخلافته في قرطاج مسألة مستساغة في 2024 وذلك بالاعتماد على التحالف الاستراتيجي مع حركة النهضة والذي بدونه لا مجال لاستمرار آل قائد السبسي في السلطة.
ولكن تغيرت أمور كثيرة منذ هذا التخطيط الأولي وبيّنت الانتخابات التشريعية الجزئية للمقعد الوحيد بألمانيا في ديسمبر 2017 بأن إستراتيجية التحالف الندائي النهضوي فاشلة على مستوى القواعد الانتخابية لكلا الحزبين وبالتالي فهي لن تؤدي المطلوب منها وهو إنجاح ديمقراطي للتوريث ، ثم حاولت قيادة النداء الملتفة حول الابن وبدعم قوي من الأب استعادة زمام المبادرة الحكومية بإعفاء رئيس حكومة ندائي ولاشك ولكن تحوم حوله شكوك في ولائه لمشروع التوريث الديمقراطي، فانتفض صاحب القصبة وقلب الموازين لا فقط داخل كتلة حزبه ولكن كذلك داخل المعادلة السياسية العامة فأنهى بذلك تحالف الشيخين وانتهى بذلك نهائيا حلم التوريث الديمقراطي وانتهت معه مصالح ولوبيات والعائلات المرتبطة به.. وهنا طفت من جديد فكرة ولاية ثانية للباجي قائد السبسي لا لإنقاذ توريث ديمقراطي تبين انه ممجوج شعبيا ومنته سياسيا ولكن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ممن راهنوا على الحكم «الأبدي» و«الأبوي» للنداء..
في أثناء كل ذلك كان قائد السبسي الأب يقول لكل من يسأله عن نيته تجديد العهد أن الأمر موكول إلى المقادير وأن الآجال بيد الله وبعض الألسن الخبيثة تقول بأن المحيطين بالثعلب العجوز كانوا يراهنون على التأجيل الموضوعي للانتخابات بحكم أزمة هيئة الانتخابات وباحتمال استحالة تجديد ثلث أعضائها وهذا ما يبدو أن جزءا من كتلة النداء عملت عليه أيضا عبر التصويت الأبيض.. ولكن بعد فشل هذا المخطط – على صحة وجوده- وأصبحت الانتخابات قاب قوسين أو أدنى اتضح أن داهية قرطاج يرغب في تجديد العهدة لأسباب ذكرناها ولأخرى تخصه شخصيا وتتعلق أساسا بثأر لنفسه من «غدر» شيخ النهضة وشاب القصبة ولكي يثبت للخصوم قبل الأصدقاء بأن الباجي قائد السبسي لم ينته وأنه مازال ماسكا بجزء من خيوط اللعبة اليوم ويطمح للمسك بجلها لو جدد التونسيون ثقتهم فيه ..
ولكن رئيس الدولة يدرك جيدا أن مغامرته هذه محفوفة بالمخاطر بدءا بمحصلة خماسية شاحبة وملوثة بالمساندة غير المشروطة لمشروع التوريث الديمقراطي كما يدرك صاحب قرطاج أن لعب ورقة إما أنا أو النهضة لم تعد جذابة وأن بريقها قد تراجع كثيرا رغم النبرة الهجومية الواضحة لرئيس الدولة ولأنصاره ، ولكنه هجوم متأخر ولأغراض سياسوية لا تخفى على أحد ..
ولكن قبل كل شيء يحتاج صاحب قرطاج إلى أمرين اثنين أساسيين لتعبيد ولو نسبي للطريق مجددا نحو قرطاج ..
العنصر الأول هو حزب قادر على قيادة حملة انتخابية تشريعية ورئاسية وتحقيق نتيجة مهمة في الاستحقاق الأول ولكن هذا يستوجب تغييرا جذريا في واجهة النداء الحالي وكان هذا هو رهان المؤتمر القادم للحزب الفائز في انتخابات 2014 ولكن كل الأصداء التي تأتينا من البحيرة (المقر المركزي للنداء) تفيد بان البيت الندائي سيبقى على حاله وان الواجهة لن تتجدد وان قائد السبسي النجل هو القائد الفعلي لهذه السفينة المتهالكة مما جعل اكبر المتحمسين للتجديد الندائي يكادون يلقون المنديل اليوم ..
ستبقى لعنة «التوريث الديمقراطي» تلاحق مؤسس نداء تونس وصاحب «الباتيندة» الأصلي قبل أن يستولي عليها نجله، والواضح ان انتصارا جديدا للتوريث الديمقراطي في مؤتمر النداء القادم سيكون الضربة التي تقسم ظهر البعير وتجعل من حظوظ صاحب قرطاج تتضاءل كثيرا ..
أما العنصر الثاني فيتعلق بجدية حظوظ رئيس الدولة لخلافة نفسه أين ستلعب عمليات سبر الآراء المنشورة وغير المنشورة دورا أساسيا..
اليوم يفيد آخر باروميتر سياسي لمؤسسة سيغما كونساي والذي نشرناه منذ أسابيع بأن الباجي قائد السبسي قد تراجع كثيرا وبعد أن كان يتصدر نوايا التصويت في الرئاسية أصبح اليوم في المرتبة الرابعة متأخرا بحوالي خمس نقاط عن صاحب المرتبة الثانية بينما يتصدر غريمه يوسف الشاهد هذا الترتيب ..
صحيح أن الفترة القادمة قد تغير معطيات عديدة ولكن يعلم الباجي قائد السبسي قبل غيره أن الزمن لا يلعب لصالحه وان ترشحه في سن 93 سنة يثير مخاوف كثيرة وأحيانا الاستهزاء والسخرية وان كل المبررات التي يمكن أن يقدمها قد لا تشفع له أمام الناخبين ..
ولكن رغم كل هذه المعيقات يخطئ من يعتقد بأن الباجي قائد السبسي قد ألقى المنديل وانه لم يعد قادرا على تغيير ولو جزئي للتوازنات السياسية ..
الثعلب العجوز ذو دهاء وله قدرة واسعة على المناورة وعلى خلط الأوراق.. ولكن هل سيكفيه ذلك لمقاومة عجلة الزمن و مطامع الملتفين حوله؟
لقد دخل الباجي قائد السبسي التاريخ والسؤال اليوم هو من أية بوابة (أو نافذة) سيختار الخروج ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115