بعد نجاح المفاوضات الاجتماعية: طريق الشاهد نحو قرطاج ..

النصف الأول لشهر فيفري كان ملائما جدا للحكومة ولرئيسها : نجاح في المفاوضات الاجتماعية في الوظيفة العمومية

ألغي بموجبه الإضراب العام ليومي 20 و21 فيفري الجاري وعقد اتفاق في التعليم الثانوي أنهى شبح السنة البيضاء ..

نجاح أشاد به الأمين العام للمنظمة الشغيلة والذي كان بدوره طرفا رئيسيا فيه. نجاح لا يريد الشريكان أن يتقاسماه مع أحد ، لا مع النهضة ولا مع رئاسة الجمهورية ولا حتى مع بقية أطراف الائتلاف الحكومي.
هذا النجاح سيوفر مناخا اجتماعيا هادئا إلى حد بعيد على امتداد هذه السنة ، مناخ يفتح الباب على مصراعيه لصراعات من صنف آخر ، صراعات الحكم وحساباته ونحن على بعد أشهر قليلة من مواعيد انتخابية حاسمة تشريعية ورئاسية ..

لقد اختارت جل الأحزاب في سنة 2014، باستثناء النداء بالأساس ، تقديم الموعد التشريعي على الرئاسي باعتبار أن النظام السياسي تغلب عليه الصبغة البرلمانية وبالتالي تكون الانتخابات التشريعية هي العمود الفقري للحياة السياسية ..

تقدير فيه الكثير من الصحة ولكنه يستوجب التنسيب كذلك فإذا ما استثنينا حركة النهضة فإن بقية الأحزاب الأخرى ترنو بالأساس إلى الرئاسية أو تجعل منها رافعة لحضور برلماني هام ، وذلك كان حال النداء في 2014 وبدرجات اقل الوطني الحر والجبهة الشعبية كذلك .. الانتخابات التشريعية هامة ولاشك في نظامنا السياسي ولكن شبه تزامنها مع الرئاسية يجعل من التداخل بين هذين الموعدين محرار كل شيء ويجعل من امتحان التشريعية وكأنه الدور الصفر للانتخابات الرئاسية ..

فالطموح الشخصي للمترشحين يتكسر على حقيقة أوزان ما يمثلون حزبيا وائتلافيا ولابد من تمازج بين الشخصي والحزبي ليكون للمرشح حظوظ كبيرة للتفوق في السباق الذي بقي الأهم في الأذهان رغم حدود صلاحيات المنصب والتي خبرناها اليوم بوضوح عندما تمرد صاحب القصبة على ساكن
قرطاج ..فنظامنا السياسي يجعل هنا من المعين أقوى واصلب من المنتخب إذ العبرة بالأغلبية النيابية ورئيس جمهورية محروم منها لا يملك شيئا يذكر من رافعات الحكم الأساسية ..

النصف الأول من شهر فيفري كان أيضا مناسبا لرئيس الحكومة ببعث الحزب الذي يسنده «تحيا تونس» والذي يريد أن يولد كبيرا كما كان الحال مع والده بالأمس وأخيه اللدود اليوم نداء تونس ..

سلم اجتماعية وحزب سياسي وآلة انتخابية ووجاهة الحكم .. ولكن ما ينقص يوسف الشاهد وفريقه هو بالطبع تأكيد صندوق الاقتراع وتحويل ما يعتقد بأنه نجاح أولي إلى نجاح انتخابي يعطي فرصة خمس سنين لهذا الفريق لإثبات أنه قادر على المصالحة الكبرى بين الانتقال الديمقراطي والإنعاش الاقتصادي .. انتصار مأمول يفترض حسن إعداد الموعدين القادمين ، ولفريق الشاهد نقطة قوة مهمة ونقطة ضعف مرتبطة بها ارتباطا جدليا .

تكمن نقطة القوة في توفر «تحيا تونس» على مرشح طبيعي للرئاسيات قادر على الفوز ونعني به يوسف الشاهد لا بالنظر إلى الخصال الشخصية والسياسية للرجل بالأساس بل لهالة الحكم المتعلقة به ولنجاحه في إعطاء بعض الأمل لجزء من المواطنين اثر حملته على الفساد في ماي 2017.. حملة بقيت بلا توابع ولكنها خلقت رغم كل شيء رابطا ما بين الشاهد وبين جزء من الرأي العام .. أما نقطة الضعف الرئيسية فهي تتعلق بدورها بأداء الشاهد في الحكم فهو سيكون صاحب الحصيلة ، والحصيلة ليست وردية بل هي رمادية والنقاش فقط هو في درجة رماديتها .. حصيلة سيعسر الدفاع عنها رغم ما يتوقعه فريق الشاهد من تحسن نسبي لبعض المؤشرات في 2019 وحصيلة قد تجعل من التونسيين يترددون في منح خمس سنوات إضافية لمن لم ينجح بصفة واضحة خلال سنوات حكمه الثلاث عندما سيتقدم إلى عموم التونسيين .

كل المعطيات تشير اليوم إلى أن صاحب القصبة قد حسم خياره : البقاء إلى آخر لحظة في الحكم ثم التقدم للرئاسية ،والأمران متلاصقان إذ لم يعد بإمكان الشاهد التقدم للتشريعية مع بقائه في الحكم لان ذلك سيفرض عليه ترك رئاسة الحكومة لحوالي أربعة أشهر بينما ترشحه للرئاسية يمكن أن يجنبه ذلك ويجعله يتخلى عن القصبة لما يقل عن الشهرين وتبقى فقط أمامه مسألة إيجاد الاخراج الدستوري لمغادرة رئاسة الحكومة دون الاستقالة وبالتالي دون تشكيل حكومة جديدة ..

ولكن هنالك مخاطر كذلك في هذا التمشي إذ سيستحيل على الشاهد الانخراط في الحملة للانتخابات التشريعية وهذا ما قد ينعكس سلبا على حزبه الناشئ لأنه لن يتمكن من الاعتراف بأبوته له بصفة واضحة وهو في القصبة ..
كما أن هنالك خطرا آخر أمام الشاهد وهو عدم قدرته على القيام بحملة منظمة لفائدته إلا في الأسابيع الأخيرة قبل موعد الدور الأول ..

لقد تجاوزت حكومة الشاهد منطقة الخطر الاجتماعي ولكنها دخلت منذ الآن في مرحلة الخطر السياسي خاصة وأنها تجد نفسها بين كفي كماشة النهضة من جهة والتيارات الديمقراطية وغيرها المناوئة للحركة الإسلامية من جهة أخرى .. أي تموقع للشاهد ولصحبه ؟ الشاهد سيعاني وبصفة متزايدة من متلازمة ايكار (le syndrome d’Icare ) فان هو اقترب من النهضة كثيرا احترق وإن هو ابتعد عنها كثيرا غرق ، وبين هذا وذاك عليه أن يغالب الرياح والأمواج والفخاخ معا ..
الطريق إلى قرطاج يبدأ اليوم ولكن محظوظ من يعلم مسبقا من سيكون الفائز .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115