والى إضراب عام في الوظيفة العمومية والقطاع العام بيوم واحد في 17 جانفي 2019 وإعلان عن إضراب عام مماثل بيومين في 20 و21 فيفري الجاري ..
وبعد أن وصلت الأزمة إلى حدّها الأقصى وتدخل فيها التلاميذ والأولياء وأضحت مشكلة الإعدادي والثانوي هي مشكلة كل التونسيين تحركت المبادرات وأعيد فتح قنوات الحوار وأصبحنا اليوم على بعد أمتار قليلة من إمضاء اتفاق شامل ومتكامل يهم كل أعوان الوظيفة العمومية ويخص أساتذة الإعدادي والثانوي بمنح إضافية ..
الكل يعلم أسباب الأزمة : مطالب اجتماعية بالزيادة في أجور الموظفين عامة والأساتذة خاصة بما يرمم قدرتهم الشرائية وبما يعوض لهذه الفئة بعض ما فاتها خلال السنوات الأخيرة وحكومة هامش تحركها المالي ضعيف وتوازناتها المالية هشة وجدت نفسها بين مطرقة المطالب الاجتماعية وسندان انخراط البلاد في برنامج صندوق النقد الدولي ..
قلنا في مرات كثيرة أن الأساسي في الأزمات وحتى في الحروب لا يكمن في دخولها بل في سبل الخروج منها والأزمة الاجتماعية قد اشتدت واحتدت بدرجة خال البعض أن الحل قد استحال وأننا بصدد صراع مستفحل لا أفق له ..
ولكن من يعرف تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل يدرك جيدا معنى الدور الوطني للمنظمة الشغيلة وأن هذا الدور يضع الوطن قبل كل شيء، وهو مقياس كل قرار وهذا ما يمكن أن نصطلح عليه بالتيار النقابي الوطني الإصلاحي وهو التيار الغالب في المنظمة منذ تأسيسها، ولكن هنالك أيضا تيارات نقابية فوضوية، بالمعنى الفلسفي للكلمة ، أي أن المطلبية عندهم ليست غاية في حد ذاتها بل وسيلة لإسقاط النظام ، أي نظام ، وهذا التيار النقابي الفوضوي له وجود في كل النقابات الشعبية الكبرى كما هو حال اتحاد الشغل وله تأثير ضعيف في جل الهياكل ولكنه قد يوجد بقوة في بعض القطاعات وهذا هو شأن اتحاد الشغل كذلك ، ومن يحمل الاتحاد مسؤولية تصرفات ومواقف التيار الفوضوي مخطئ في حق الاتحاد وحق قياداته وحق تاريخه ..
ولهذه الأسباب ولغيرها تحمل الأمين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي مسؤوليته كاملة واخذ على عاتقه الشخصي حلحلة الأزمة والبحث الجدي عن مخرج لها سواء تعلق الأمر بالمسألة الكبرى وهي الوظيفة العمومية أو في هذا الجزء المخصوص في الجامعة العامة للتعليم الثانوي، ورهان الطبوبي كان واضحا: الوصول إلى حل يرضي ولو جزئيا مطالب سائر الموظفين ولا يرتهن الدولة وإمكانياتها والمعطيات الأولية تشير إلى انه نجح في ذلك بصفة واضحة بفضل مركزته للتفاوض وتحمله شخصيا لكل أعبائه وسلك بذلك طريقا فيها بعض المخاطر ووضع شخصه وتاريخه على المحك..
لابد أن نحيي هنا هذا الانخراط الشخصي الشجاع للامين العام للمنظمة الشغيلة ومراهنته على إيجاد مخرج مشرف للجميع بدل التعفين المستمر للوضع .
المهم لا يكمن بالأساس في جزئيات الاتفاق المبدئي الحاصل بين القيادة النقابية والحكومة والذي ينتظر اليوم عرضه على الهيئة الإدارية للاتحاد قصد تبنيه .. المهم هو في هذه الروح الايجابية التي حكمت مفاوضات الأيام الأخيرة رغم أنها كانت عسيرة وطويلة وشاقة ..
الأرجح اليوم أن تتم المصادقة في الهيئة الإدارية على عناصر الاتفاق في الوظيفة العمومية والاهم ربما ، إعلاميا وسياسيا ، هو في موافقة الجامعة العامة للتعليم الثانوي على بروتوكول الاتفاق ، فإن حصل هذا، وهذا أيضا هو الأرجح ، فستعود الدراسة إلى كل الاعداديات والثانويات بصفة عادية انطلاقا من يوم الاثنين القادم وإن حصل عكس ذلك – وهذا مستبعد- فسنكون حينها في أزمة حادة داخل المنظمة الشغيلة ..
الغالب على الظنّ على كل حال هو أن يكون الاتفاق عاما وشاملا ولكن الأزمة الأخيرة لن تختفي تماما ولاشك انها ستترك أثرا واضحا داخل المركزية النقابية إذ لم يعد بالإمكان غدا اللجوء مجددا لهذه الأشكال من الاحتجاج من مقاطعة الامتحانات أو حجب الأعداد وهذا يحتاج لمدونة سلوك عامة داخل المنظمة النقابية قد يأتي موعدها في الأسابيع أو الأشهر القادمة ..
يمكن ان نقول ، دون كبير مجازفة ، أن الأزمة اليوم وراءنا ولكن علينا أن نستخلص كل دروسها وعبرها نقابيا وسياسيا .