أزمة التعليم الثانوي: الانفراج.. أو الانفجار !!

أزمة التعليم الثانوي التي استفحلت وأضحت أزمة الأزمات عند عموم التونسيين أخذت منعرجا جديدا هذه الأيام الأخيرة،

منعرج بوجهين لا ينبئ احدهما بخير كثير .

• المنعرج الأول كان بتدخل الأولياء والتلاميذ على الخط بخروجهما إلى الشوارع واحتجاجهما على طرفي النزاع ، وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي بصفة متساوية أو متفاوتة ..
عندما استمعنا إلى بعض التلاميذ المتخوفين على مصير هذه السنة ومصيرهم الدراسي بصفة أعم اكتشفنا أول جيل للثورة التونسية، جيل لا يحمل في جيناته ثقافة الاستبداد والاصطفاف الأعمى، جيل يعمل العقل وله روية وتنسيب للأحداث وللأولويات.. جيل يجعلنا نطمئن على البلاد وعلى استقرار الديمقراطية فيها رغم كل أزمات وتعثرات وانكسارات الطريق ..
وخرج أيضا أولياء غاضبون، غاضبون على ما يجري وعلى تهديد استثمارهم الأساسي إذ رغم كل ما يقال عن تردي مستوى التعليم في بلادنا فالنجاح المدرسي هو الهدف الأول والأخير للعائلة التونسية وهي مستعدة لإنفاق كل شيء من أجل نجاح أبنائها وتفوقهم من إنفاق مادي ومعنوي وعصبي، ولهذا كان الأولياء غاضبين بل وحانقين وجلّ المحتجين منهم – على عكس أبنائهم – حملوا النقابة العامة للتعليم الثانوي مسؤولية ارتهان التلاميذ في نزاع شغلي لا يعنيهم .. ولكن بعضهم اختلطت عليه الأمور وتهجم على اتحاد الشغل وحاول اقتحام ساحة محمد علي. مشهد يقطع تماما مع رصانة التلاميذ وحصافتهم..
وهنا نرى كيف أن الشكل القصووي الذي عمدت إليه الجامعة العامة للثانوي بمقاطعتها للامتحانات قد ولد رد فعل قصووي أيضا مازال لم يعبر عنه بالوضوح الكافي وهو الكفر بالديمقراطية التي تسمح بالفوضى وتمس أقدس مقدسات العائلة التونسية ..وهذا المنعرج خطير للغاية لأنه يرسخ في الأذهان بصفة ضمنية بأن الديمقراطية ضعيفة وعاجزة عن فرض القانون وأن لغة البلطجة هي الطاغية في الساحة والفوز فيها للأقوى لا للأصلح ..

هذه القصووية النقابية التي تفضل المواجهة على التفاوض الجدي والتي لا تبدي بعض المرونة إلا عندما ترى أن الأرض ترتجف تحت أقدامها تقدم خدمة من حيث لا تشعر لنزعات التسلط وعودة العصا الغليظة داخل جزء من مجتمعنا الذي أصبح يفضل في قرارة نفسه دولة مستبدة تفرض النظام على دولة ديمقراطية ضعيفة عاجزة أمام تناحر القبائل المتصارعة..

• وهنا يأتي المنعرج الثاني في هذه الأزمة وهو مرتبط شديد الارتباط بمخاوف انفجار المنعرج الأول ونقصد هنا التدخل الشخصي للأمين العام للمنظمة الشغيلة ومن ورائه كل القيادات النقابية المركزية والتي قدرت حجم المخاطر المحدقة لا فقط بالمنظمة وبسمعتها ولكن كذلك بالبلاد وبفلسفة التفاوض الاجتماعي فيها وبأن القطاعية المفرطة تشرع لكل صنوف وأنواع التطرف داخل النقابات وخارجها..

إقدام نورالدين الطبوبي على التفاوض المباشر مع الحكومة وتقديم ملف أزمة الثانوي على الملف الأكبر وهو التفاوض في زيادات الوظيفة العمومية والإصرار على إيجاد حل سريع ومشرّف للجميع إنما يدل على وعي القيادة النقابية بدقة المرحلة وبأن هنالك فرقا جوهريا بين النقابية الوطنية الإصلاحية، وهو التيار الغالب داخل الاتحاد منذ تأسيسه، والنقابية الفوضوية التي شهدتها أوروبا في النصف الأول من القرن الماضي ..

التيار النقابي الإصلاحي يرعى دوما مصالح منظوريه وله رأي في السياسات العمومية للبلاد لأنها تنعكس بصفة مباشرة أو غير مباشرة على عموم الأجراء ولكن مطلبيته محكومة دوما بمجال الممكن وبالوسائل المشروعة.
إن هذا الانخراط الشخصي والجماعي للقيادة النقابية ينبغي أن يقابل بالتفاعل الايجابي من قبل الحكومة وبالاستجابة قدر الإمكان للمطالب الشرعية لعموم المدرسين وفق قدرة البلاد على الإيفاء بكل تعهداتها..
تفيد المعلومات المتوفرة لدينا بأن هنالك تقدما لا بأس به لتجسير الهوة بين مطالب النقابة العامة للتعليم الثانوي ومقترحات وزارة التربية (انظر التفاصيل في مقال حسان العيادي ) والأمل معقود في أن يتم الوصول إلى اتفاق نهائي بين الحكومة والمركزية النقابية خلال الأسبوع القادم في ملف أزمة الثانوي المواتي لعطلة نصف الثلاثي الثاني حتى يتم تامين عودة مدرسية طبيعية انطلاقا من الاثنين 11 فيفري .

ويبقى السؤال الوحيد هو موقف الجامعة العامة من هذا الاتفاق المحتمل وهل أنها ستدخل في مواجهة مع المركزية النقابية أم ستذعن للأمر الواقع بفعل ضرورة الانضباط للقرار النقابي المركزي ..
خلال الأسبوع القادم سيلعب جزء من توازن البلاد ومستقبلها وديمومة مؤسساتها وهياكلها الأساسية .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115