سنة بيضاء في التعليم الإعدادي والثانوي: حتى لا تغرق سفينة تونس !

كانت لدينا ،نحن التونسيين، بقايا آمال معلقة على جلسة التفاوض بين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي يوم الاثنين

الفارط عسانا نخرج من هذا الزقاق المظلم الذي وضعنا فيه أنفسنا ، ولكن معاول الهدم كانت هي الأقوى وبعد حوالي نصف ساعة انفض الاجتماع وحمّل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية الفشل ، وأبدى كل طرف ، في وسائل الإعلام ،استعداده للحوار الجدي والمثمر والتنازل ولكن في المحصلة ازداد الوضع تأزما وانقطعت سبل الحوار وغابت المنطقة الرمادية الولاّدة للحلول المشتركة..

اليوم نحن فعلا إزاء سنة شبه بيضاء هذا في أحسن الأحوال ومع افتراض وجود حل نهائي لهذه الأزمة من خلال هذا الأسبوع ..

نقول بأننا قد دخلنا فعلا في سنة شبه بيضاء لأن جل الاعداديات والثانويات أي زهاء 900.000 تلميذ هم في حالة عطالة كلية أو جزئية منذ حوالي ثلاثة أشهر عندما أعلنت الجامعة العامة للتعليم الثانوي مقاطعتها لإجراء الامتحانات ولم يبق أمامنا من زمن فعلي للتدريس سوى شهرين ونصف، هذا إذا ما افترضنا عودة طبيعية للدراسة في كل الاعداديات والثانويات مباشرة بعد عطلة الأسبوع القادم ..

ولكن السيناريو الأقرب هو عكس هذا تماما ويبدو أننا بصدد الدخول في المشهد الأخير من هذه التراجيديا المأساوية حيث لا نجاة لأحد ولا أفق مفتوح ولا مخرج مرضي ..

نحن الآن بصدد اختبار درامي لما يمكن أن يؤول إليه انفلات أشكال المطلبية النقابية في ما يعرف بكل أشكال الإضراب الإداري ونحن هنا أمام الشكل القصووي وهو رفض إجراء الامتحانات والاختبارات من أصله بدل انجازها ثم الاحتفاظ بها كما كان ذلك في بدايات هذه الممارسة .

أي وكأننا في حرب تم فيها استعمال الأسلحة النووية قصد ربح موقع أو معركة جزئية .. هذا بالضبط ما نحن بصدد فعله في المدرسة العمومية : استعمال سلاح دمار شامل لمحاولة ربح مكاسب جزئية مهما كانت شرعيتها فننتقل من خلاف تفاوضي حول مقادير زيادات خصوصية إلى تهديد جدي لكامل المنظومة التربوية والى إرباك مستقبل 900.000 مراهق وشاب وإدخال الحيرة في ما لا يقل عن ربع التونسيين الذين يشعرون بتهديد جدي لفلذات أكبادهم ..

لنتصور لحظة واحدة ما معنى سنة بيضاء كلية وشاملة ؟ ماذا سنفعل بـ900.000 تلميذ؟

هل سنقضي برسوبهم جميعا ؟ هل قدّر أحد الكلفة الاجتماعية والبشرية والمادية لقرار كهذا ؟ هل يمكن بعد ذلك أن نتحدث عن مدرسة
عمومية ؟

لا نريد أن نلقي باللائمة على أحد لأننا تجاوزنا هذه المرحلة ولكننا اليوم في حالة خطر داهم ولا نرى تحركات كافية لمجابهته ..

لا يمكن للحكومة وللمركزية النقابية أن تقفا على الحياد وكأن الأمر لا يهم الا وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي .. ولا نعتقد أنه من حق جامعة عامة أن ترتهن البلاد كلها وان تمثل خطرا لا فقط على مستقبل هؤلاء التلاميذ ولكن كذلك على مستقبل العمل النقابي لأن هذا التصرف القصووي من شأنه إعطاء حجج كبيرة لكل من يطالب بعودة «النظام» ولو كان ذلك بالعصا الغليظة ..

وضع البلاد هش للغاية ودون التقليل من معاناة جموع المدرسين ومن الحاجة الماسة لإعادة الاعتبار المادي والمعنوي لهذه المهنة الشريفة ولكن لا يمكننا أن نتفهم إقحام البلاد في أزمة خانقة لا حلّ لها .

لا معنى لتفاوض قطاعي بهذا الشكل ولتتحمل الحكومة والمركزية النقابية مسؤوليتهما وان تقوما بالتفاوض بدلا من وزارة التربية والجامعة العامة واليوم اليوم قبل الغد..

أما إذا ما استحال حتى هذا الحل فعلى بلادنا السلام ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115