أولوية الأولويات : إنقاذ السنة المدرسية والمفاوضات الاجتماعية

حكمة صينية قديمة كان يرددها الزعيم الراحل ماو تسي تونغ : لا ينبغي مهاجمة العدو من الجهات الأربع لأننا بذلك ندفعه إلى الشجاعة القصوى ..

ويمكن أن نقول بعبارات أخرى بأن الأساسي في كل أزمة ليس الدخول فيها بل كيفية الخروج منها دون أن تشعر الأطراف المتنازعة أنها هزمت أو أهينت ..
تعيش بلادنا منذ أشهر على وقع أزمتين من اخطر ما عرفناه بعد الثورة وهما أزمة التعليم الثانوي وأزمة المفاوضات الاجتماعية في الوظيفة العمومية ..

اليوم ليس من المفيد أن نعود إلى حوار الطرشان وإلقاء اللوم المتبادل بين الحكومة والاتحاد في ملف المفاوضات الاجتماعية وبين وزارة التربية والجامعة العامة للتعليم الثانوي.. المهم اليوم ألا تتواصل هاتان الأزمتان لأنهما ستفسدان كل التوازنات الهشة للبلاد..
المهم اليوم هو بحث المخارج الجدية للخروج من هاتين الأزمتين وأن تبحث كل الأطراف بجدية عن المناطق الرمادية التي تسمح بالحل ..

لن نجد الحل الأمثل لا للحكومة ولا للشغالين ، ولن نحل كل المشاكل ولكن نملك الخروج الجدي من الأزمة بحل ظرفي لا يرتهن الحلول الاستراتيجية الضرورية للبلاد..

لننطلق من النهاية ولنفترض الأسوأ : غياب الاتفاق بين الحكومة واتحاد الشغل في هذين الملفين الأساسيين ، ماذا ستكون النتيجة يا ترى؟ سنة بيضاء في المرحلتين الإعدادية والثانوية أي انهيار شبه نهائي للمدرسة العمومية هذا من جهة وسلسلة من الإضرابات العامة في الوظيفة العمومية والمنشآت العمومية بدءا بيومي 20 و21 فيفري إلى ما لا نهاية له أي انهيار كلي للاقتصاد الوطني ولكل منظوماتنا الاجتماعية والاقتصادية كذلك ..

هذا هو السيناريو الكارثي الذي ينبغي أن نبتعد عنه بكل قوة والآن الآن وليس غدا .. ويخطئ كل من يعتقد انه سيخرج رابحا من أزمة لا تبقي ولا تذر ..

لعل المدخل الأساسي للخروج من الأزمة هو إعلان مشترك حكومي ونقابي بأن الاتفاق أضحى وشيكا في الوظيفة العمومية خلال الأيام القليلة القادمة فهذا من شأنه أن يطمئن الجميع وخاصة أساتذة التعليم الثانوي باعتبارهم موظفين أولا وأن تتنازل النقابة العامة عن بعض مطالبها الخصوصية قصد إيجاد أرضية مقبولة لاتفاق في التعليم الثانوي تكون الحكومة قادرة على الإيفاء به أي اتفاق لا يجعل البلاد تدخل في دوامة العجز والمديونية وتشكك في قدرتها على التحكم في توازناتها المالية العامة ..

هذه هي المنطقة الوسطى الممكنة اليوم ويعني هذا أنها لن تستجيب لكل المطالب التي تقدم بها الطرف النقابي ولكنها لا تهمل جلها أيضا ..
إن كل يوم ينضاف إلى الأزمة هو يوم تخسره تونس لأنه يؤثر سلبا على معنويات مواطنينا وأبنائنا ويعسر علينا جميعا إمكانيات الحل وكلفته خاصة ..

أمراض تونس عديدة ولا يسلم منها قطاع واحد ولكن العلاج لا يكون بقتل المريض أو ببتر احد أعضائه ..الحل الوحيد في معالجة الأعراض الأبرز هو العمل على تقوية الجسد والمعنويات أي العمل والعمل فالعمل ..

ينبغي أن نقطع جميعا مع هذا المخيال السحري المهيمن علينا والذي يعتقد أن تونس بلد ثري لكنه منهوب ، تونس بلد فقير ويفتقر لسياسات عمومية ناجعة ولا يعمل بما فيه الكفاية للنهوض ولا يريد تكبد مشاق العمل والجهد والاجتهاد والتضحية ببعض المكاسب الآنية حتى لا يغرق الزورق ونتيح لأنفسنا فرص الإصلاح والنمو..
الإصرار والاستماتة في تحقيق ما يظنه البعض مكاسب بغض النظر عن إمكانيات البلاد لا يهدد فقط منظومتنا التربوية في وضعية الحال بل كل تجربتنا الديمقراطية لأننا سندفع غالبية شعبنا دفعا إلى البحث عن مغامر «قوي» يفرض «النظام» بالعصا الغليظة ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115