العشرون بدأ سنة 1914 مع الحرب العالمية الأولى وقرننا الحالي مع هجمات 11 سبتمبر 2001 ، وقياسا على ذلك فإن 2019 في تونس بدأ منذ حوالي سنتين عندما بدأ مختلف الفرقاء يشحذون أسلحتهم لخوض غمار الانتخابات العامة التشريعية والرئاسية في نهايات 2019، فكل ما عاشته البلاد منذ سنتين من تحالفات وخلافات ونفض لتحالفات قديمة ونسج لأخرى جديدة إنما كان فقط استعدادا للانتخابات ليس إلا ..
والصورة العامة للمشهد السياسي في تغير مستمر ، إذ منذ سنة فقط كان لدينا تحالف ندائي نهضوي ضد رئيس الحكومة المسنود حينها فقط من قبل .. اتحاد الشغل ، أما اليوم فلدينا تحالف بين المشروع السياسي الجديد ليوسف الشاهد مع حركة النهضة وفي الصف المقابل يقف اتحاد الشغل من جهة ورئيس الجمهورية وحزبه من جهة أخرى .. ولسنا ندري هل نحن أمام مشهد قار إلى حد ما إلى حدود الانتخابات أم أن زمن فك التحالفات وإعادة تشكيلها على قواعد جديدة مازال مستمرا ولم يبح بعد بكل أسراره..
ولكن الصورة العامة لا تقتصر على التحالفات أو الخصومات السياسية بمعناها العام بل تتلون كلها بأزمة حوكمة غير مسبوقة وبتنازع رأسي السلطة التنفيذية رغم انتمائهما لنفس العائلة السياسية وأزمة المنظومة التوزيعية التي عمدت إليها كل حكومات ما بعد الثورة إذ تجاوزت باطراد توزيع الثروة على حساب خلقها فوجدنا اليوم أنفسنا أمام النتيجة الطبيعية: تداين تجاوز الخطوط الحمراء وعدم القدرة على مواصلة نفس السياسة التوزيعية من زيادات في الأجور ودعم للمواد الأساسية وللمحروقات الخ..
ولكن بقدر ما تعجز الدولة الراعية عن التوزيع المعتاد تتعالى المطالب القطاعية والجهوية وتتعاظم الشقة بين الحاكم والمحكوم ويخطئ من يعتقد بأن هذه الشقة تعني حاكما بعينه بل الحاكم من حيث كونه حاكما فإما أن يوزع ما لا يملك أو يكون محل نبال الجميع وهذا ليس خاصا بتونس بل شهدته بلدان عديدة عاشت ظروفا مشابهة إلى حد ما لبلادنا .. وهنا ندخل في دوامة جديدة مفادها احتجاجات متواصلة من أجل تحسين القدرة الشرائية يقابلها عجز متواصل للدولة لتلبية هذه المطالب فجمود لانتاج الثروة فاحتجاجات فأزمة سياسية فتعاقب الحكومات والأغلبيات..
في تونس اليوم صراع رهيب على ربح معركة الانتخابات بين أطراف كانت متحالفة بالأمس القريب وقد تعود إلى التحالف بعد الانتخابات ولكنها بحاجة إلى خلق عدو من حليف الأمس حتى تبدو وكأنها وحدها القادرة على هزمه ثم التحالف معه مجددا إن لزم الأمر ..
والجديد في 2019 أننا سنكون تحت وقع مسألتين أساسيتين :
الأولى هي إعلان اتحاد الشغل انه معني بصفة هامة بالانتخابات التشريعية والرئاسية دون أن يفصح إلى حد الآن عن شكل هذه المشاركة وحجمها وهل سيتحالف مع أحزاب أخرى أو منظمات أو مستقلين وهل سيتقاطع فيها مع أحزاب في الحكم أم في المعارضة أم أننا سنكون أمام مزيج من كل ذلك ..
لم تقس بعد مؤسسات سبر الآراء الكيفية التي سيستقبل بها الناخبون مشاركة بهذا الحجم ، ولن تتمكن هذه المؤسسات من قيس أثرها إلا متى وضح الاتحاد طريقة مشاركته ويافطته في ذلك وهنا قد تتوزع الأوراق من جديد والأكيد أنها مجازفة هامة من المركزية النقابية فإما أن تثبت بأنها الأقوى لا فقط اجتماعيا ولكن كذلك سياسيا أو أن تكتشف أن قوتها الاجتماعية لم تتحول بعد إلى قوة سياسية ولكلى الأمرين استتباعات على غاية من الأهمية ..
الأمر الجديد الثاني هو دخول المسائل ذات الصبغة القضائية على الخط وأهمها بلا شك مسألة التنظيم السري الذي نسبته هيئة الدفاع عن الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي لحركة النهضة وكانت قد قدمت خلال هذه الأشهر الفارطة معطيات جديدة على غاية من الأهمية. والسؤال الأساسي اليوم هو هل سيتمكن القضاء من البت في كل هذه المعطيات قبل الموعد الانتخابي أم أن الأمور ستواصل السير بهذه الشاكلة وتبقى المسالة في منطقة ما بين القضائي والإعلامي والسياسي، وعلى كل حال ستكون الانتخابات التشريعية القادمة اجابة غير مباشرة عن هذا الملف وسوف نرى هل تضررت الحركة الإسلامية منه أم أنها خرجت مستفيدة أم أن كل ما شد انتباه التونسيين خلال كل هذه الأشهر سيمر دون أثر يذكر..
ويبقى سؤال محير مع ذلك وهو هل ستتمكن الأحزاب المعارضة من تحقيق نتائج هامة بعد الانتخابات أم أن تمثيليتها النيابية ستكون مرة أخرى شكلية ..
بعد 9 سنوات من الثورة ومن العمل العلني لم يعد بإمكان أحزاب المعارضة الأساسية أن تستند إلى جدّة التجربة الديمقراطية فإما أن تثبت أن لها وجودا فعليا في البلاد أو أن تبقى ظاهرة صوتية ..
مطامع محددة ومخاطر كذلك تخيم على البلاد في هذه السنة المحورية..
رجاؤنا أن يكون البقاء للأصلح لا للأقوى فقط .