سجلت تقاربا نسبيا بين الحكومة واتحاد الشغل على مستوى الفترة (سنتان بدلا من ثلاث) والمبلغ (من 136 إلى 180 دينارا شهريا على دفعتين كذلك) ولكن حصل خلاف نسبي في فترة بداية الاحتساب وثانيا حول الاعتماد الجبائي الذي تريد الحكومة أن تلجأ إليه مجددا في سنة 2020 وما قد يمثله ذلك من مشاكل في احتساب الزيادة للمتقاعدين..
المهم على كل حال هو أن المركزية النقابية قد قررت إضرابا يشمل كل موظفي وأجراء القطاع العام خلافا للإضراب العام السابق في نوفمبر الماضي والذي اقتصر فقط على الوظيفة العمومية والسؤال اليوم هو ماذا سيحدث يوم الإضراب وخاصة ما هي سيناريوهات الأيام الموالية ..
في البدء لابد من الإشارة إلى حملة التخويف التي حصلت خلال هذه الأسابيع وخاصة الأيام الفارطة واستدعاء شبح الخميس الأسود في 26 جانفي 1978 حيث سقط العشرات من القتلى واعتقلت القيادات النقابية ونصبت حكومة المرحوم الهادي نويرة قيادة غير شرعية على رأس المنظمة النقابية ..
لسنا ندري ما هي الدواعي النفسية والسياسية لهذا الاستدعاء رغم الاختلاف الجذري للأوضاع السياسية والاجتماعية بين 1978 و2019 ولكن الواضح ان هنالك من يريد الاستثمار في الأزمة وخلق مناخ من الذعر عند عموم المواطنين ..
يمكن أن نقول بيسر ونحن نكتب سويعات قبيل الانطلاق الفعلي للإضراب العام انه سيكون هنالك ولاشك شلل كبير للإدارة وبدرجة اقل لحركة المواطنين وللآلة الإنتاجية للبلاد ولكن لا نعتقد مطلقا في حظوظ سيناريو الكارثة الذي تم التخويف به رغم انه قد يسعى بعضهم لاستغلال جزئي لظرفية الإضراب العام باعتصامات أو تحركات احتجاجية مجانية ولكن لاتحاد الشغل الدربة والإمكانيات الكافيتين للتحكم الجيد في منظوريه كما أن قوات الأمن قد تمرست على تقنيات حماية المسيرات السلمية والتحوط من محاولة اندساس عناصر تخريبية ان وجدت ويقيننا بأن التنسيق سيكون جيدا بينها وبين قيادات الاتحاد حتى يمرّ الخميس 17 جانفي في هدوء تام ..
ولكن ما قلناه بالطبع لا يعني أننا أمام يوم عادي وأنه لا انعكاسات هامة بل وحتى مصيرية له على الوضع العام للبلاد..
هنالك سيناريوهان كبيران لما بعد الإضراب العام فإما أن يعود الطرفان لطاولة التفاوض من اجل إيجاد حل وسط استحال إلى اليوم أو مواصلة التصعيد المتبادل وانقطاع سبل التفاوض الجدي وتمترس كل طرف حول موقفه الأصلي ..
في الحالة الأولى ،وهي واردة جدا ، يكون التصعيد مدخلا جديدا لمزيد الضغط وإجبار الحكومة على مزيد من التنازل تحت شعار أن الحكومة قدمت ثلاثة اقتراحات متتالية رفّعت في كل مرّة من القيمة المالية وبإمكانها أن ترفع مرّة أخرى خاصة بعد التصعيد الذي سيحصل بعد الإضراب العام ..
ولكن الأرجح أن هذا التفاوض تحت تهديد تصعيد متعاظم لن يفضي إلى نتيجة ملموسة وإلا كان عملية انتحارية للحكومة الحالية تنزع عنها ما تبقى لها من جدية..
الأرجح إذن أن يكون لديناميكية التصعيد أثر سلبي على المفاوضات خاصة إذا أعلنت الهيئة الإدارية للمركزية النقابية التي ستلتئم في نهاية هذا الأسبوع عن موجة من الإضرابات القطاعية أو الجهوية أو إضراب عام جديد بعيد أسابيع .. وهنا السيناريو الأرجح أن نشهد تصلبا إضافيا قد ينتهي بتعطل قد يدوم للغة الحوار ..
لو حصل هذا وانعدمت إمكانية إيجاد حل وسط ستفتح البلاد حينها على المجهول لأنها لن تتمكن من الاستقرار الاجتماعي الأدنى دون اتفاق حول الأساسي مع المنظمة الشغيلة وهو الزيادة في الأجور ...
لو تفاقمت الأزمة الاجتماعية والبلاد تقترب بتعثر من المواعيد الانتخابية القادمة لا أحد يستطيع حينها التكهن بمآلاتها ..
الإشكال اذا ليس في الإضراب العام بل في إمكانية تعطل لغة الحوار والتصعيد المتبادل والدخول في أزمة متعددة الأبعاد.
الحل الوحيد هو في إيجاد منطقة وسطى جدية وفي اتفاق لاغالب فيه ولا مغلوب ..
رهاننا أن هذا مازال ممكنا وأن التفاوض مبني على إيجاد المناطق الرمادية وأن السلم الاجتماعية ضرورية ولها كلفة ولا شك ولكن في حدود توازنات عامة مقبولة ..
نحن إزاء حلول ظرفية للسنتين القادمتين ولكن يبقى الحل الجذري هو في توفير الظروف الملائمة لنمو اقتصادي قوي ولخلق القيمة المضافة والارتقاء في سلم القيم صناعيا وخدماتيا وفلاحيا ..
تونس ستكون بعد أشهر قليلة أمام انتخابات عامة تشريعية ورئاسية وبداية الحل تكون ولاشك في حسن الاختيار .