يعلم من «أين» يتحدّث الصحفي.. وإن كان الصّحفي دوما، حتّى وإن أبدى رأيا، هو في خدمة الخبر والحقيقة لا صانعا لهما...
نقول هذا لحساسيّة ودقّة الموضوع الذي سنتطرّق إليه وهو تقييم الدّور الذي يلعبه بعض المسؤولين النقابيين اليوم وكذا بعض الممارسات النقابية التي أضحت تطرح أكثر من سؤال على حاضر ومستقبل تونس...
كاتب هذه السّطور، كجلّ بنات وأبناء جيله، أفاق على القضايا الحقيقيّة للبلد مع الأحداث التي سبقت وحفّت وتلت الخميس الأسود يوم 26 جانفي 1978 ومنذ ذلك الحين كان، كغيره من العديد من التّونسيين، من مرافقي الاتّحاد العام التّونسي للشّغل الذي لم يتخلّ عن أيّة معركة ديمقراطيّة أحيانا بالاتفاق مع قياداته المركزيّة وأحيانا كثيرة ضدّ رغبتها.. فالاتحاد فعلا ومنذ تأسيسه وإلى اليوم كان ومازال خيمة النّضال الوطني وقلعة للصّمود...
وإن ننسى فلا ننسى الدّور الرّيادي الذي لعبته المنظمة الشغيلة إبّان الثّورة التونسية وبعدها وكيف حمت البلاد من مخاطر تغوّل الحركة الإسلامية وانحرافاتها وكيف أنقذتنا، بمعيّة المنظمّات الثلاث الأخرى، من حرب أهلية باردة...
هذا غيض من فيض ممّا تدين به تونس وأجيالها المتعاقبة لاتحاد الشّغل وهو ديْن سيبقى في رقابنا جميعا ما حيينا...
ولكن محبّة هذه المنظّمة تدفعنا اليوم إلى إطلاق صيحة فزع من بعض الممارسات والتصرّفات التي بدأت فردية أو جزئية ونراها اليوم تتفاقم دون أن تؤطّر أو تُستبق نتائجها الوخيمة...
فأن يشتم الكاتب العام لجامعة الصحّة وزير الصحّة في مكتبه وأن ينعت الكاتب العام لنقابة التّعليم الثّانوي وزير الصحة بالمقيم العام الفرنسي وأن يدعوه إلى مغادرة تونس فذاك انحراف خطير لا يمكن لأحد أن يقبله أو أن يصمت عنه مهما كان رأينا في الحكومة ككلّ وفي الوزير بصفة خاصّة (ونحن هنا ما فتئنا ننقد الحكومة بشدّة وبصرامة).
وما يدهشنا هو صمت كلّ القيادات النّقابية ونحسب أنّ جلّهم قد استنكر هذه التصرّفات ولكن نعتقد أنّ خطورة هذه التّصريحات لا تتماشى مع الإنكار والاستنكار الداخلي... وأنّه من المفيد نقابيّا ووطنيّا أن يتمّ التّنديد بهذه ....